كيف نحصن جبهتنا الداخلية؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

 

مع ظهور بوادر الضغوط الأمريكية (التي لا تزال حتى الآن ليست ضغوطًا حقيقية) على الأردن لقبول الحلول الديموغرافية للقضية الفلسطينية، يتزايد الحديث عن ضرورة تقوية الجبهة الداخلية وتعزيزها لمواجهة ما قد يحدث.

 

لنكون واقعيين، علينا أولًا تقدير حجم وجدية الضغوط المتوقعة من الولايات المتحدة على الأردن، وفهم قدرات الأردن الحالية في مواجهة هذا الضغط المحتمل ومساحات المناورة المتاحة.

 

لفهم هذه المعادلة، يجب أن نُدرك طبيعة النظام السياسي الأمريكي. فالولايات المتحدة ليست دولة الرجل الواحد أو المؤسسة الواحدة، وصناعة القرار هناك لا تخضع لإرادة الرئيس فقط. بل تتحكم في القرارات توازنات دقيقة داخل أروقة الدولة الأمريكية. لهذا السبب، يلجأ الرئيس إلى توقيع الأوامر التنفيذية لتجاوز نفوذ بعض المؤسسات التي قد تعرقل توجهاته أحيانًا. وغالبًا ما تُصدر هذه الأوامر في بداية فترة حكم الرئيس لإظهار جديته في تنفيذ وعوده؛ أقصد أن فيها جانب دعائي أيضًا. ومع ذلك، فإن هذه الأوامر التنفيذية تخضع لسلطة الكونغرس والقضاء في نهاية المطاف، ويمكن أن تُلغى لاحقًا من قبل رئيس آخر إذا ثبتت عدم فعاليتها. لذلك، لا يمكن اعتبار الأوامر التنفيذية أو التصريحات الرئاسية نهاية المطاف، فالاستراتيجيا في العلاقات مع أمريكا هي الطابع الغالب وليس الانعطافات الحادة.

 

ما وصلنا من الإدارة الأمريكية الجديدة حتى الآن هو "تعليق” المساعدات الأمريكية لمدة تسعين يومًا و”اقتراح” من ترامب باستقبال الغزاويين في الأردن. بخلاف ذلك، لا يوجد شيء ملموس. ولا أُقلل هنا من أهمية هذه الإشارات، لكنها ليست على الأغلب ليست أكثر من محاولات ابتزاز للأردن للقبول بتسويات مرفوضة؛ فسياسة ترامب قائمة بشكل كبير على الابتزاز؛ فمن ينظر إلى تصريحاته حول ضم كندا وغرينلاند، يدرك أن هدفه تحسين موقفه التفاوضي من خلال هذا الأسلوب لا أكثر، فلا يمكن عمليًا ضم كندا وغرينلاند بهذه البساطة.

 

محليًا، فتحت تصريحات وأوامر ترامب شهية دعاة التوطين في الأردن لدرجة أنهم أصبحوا يتحدثون بصوت عالٍ لتصوير الموضوع وكأنه أمر لا مفر منه والجميع يعلم أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتعش فيها تيارات التوطين على وقع المشاريع الأمريكية الهادفة إلى التوطين والتهجير. لكن الجديد اليوم أن الوضع الفلسطيني في أسوأ حالاته، مع تدمير غزة وتحييدها وافتعال أزمات متلاحقة في الضفة. وهنا لا بد من التذكير بالمواقف الملكية الثابتة واللاءات الثلاث التي ترفض هذا المشروع بجميع أشكاله للرد على هؤلاء المتربصين.

 

يتناسى دعاة التوطين أن الأردن قال "لا” لأمريكا أكثر من مرة في الماضي وأن العلاقات الأردنية-الأمريكية قديمة وراسخة، خاصة مع وزارة الدفاع وجزء مهم من الكونغرس. وقد أثبت الأردن قدرته على مواجهة الضغوط الأمريكية والخروج منها بسلام وآخر مثال صفقة القرن التي تبناها ترامب ذاته، وأثبتا أننا نقف دائمًا صفًا واحدًا خلف وطننا وقيادته، دون السماح للانهزاميين بتسويق وهم الأردن الضعيف الذي سيكون لقمة سائغة لأي مشروع.

 

تقوية الجبهة الداخلية تتطلب تحسين الظروف الاقتصادية بشكل معقول، وتفعيل الدعم الشعبي للموقف الأردني، وضبط الخارطة السياسية بحزم. علينا الحذر من خطابات التثبيط وهز المعنويات التي يروج لها دعاة التوطين وأصحاب المشاريع العابرة للحدود. الاقتصاد يجب أن يرتكز على فكرة الاعتماد على الذات، والدولة بحاجة إلى استعادة ثقة الرأي العام لمنع استغلاله من أي جهة كانت.

 

المستقبل يتطلب يقظة وتقديرًا واقعيًا للموقف، بعيدًا عن المتصيدين في الماء العكر. كما يحتاج إلى الثقة بتحركات القيادة التي تُدرك آليات الدولة الأمريكية وتُحسن التعامل مع أهم أركانها. وفي النهاية، الجميع يعلم أن القوة الرافضة في الأردن لا تقتصر على القيادة والجيش، بل تشمل بُعدًا شعبيًا عشائريًا يقف دائمًا في صف الوطن مهما كلف الأمر.