نبض البلد - بهدوء
عمر كلاب
لو راجعنا كل ملفاتنا المحلية والخارجية, سنجد أنها بحاجة إلى مراجعة كاملة وشاملة, واذا سألت أي فرد من أين نبدأ, سيقول كلها مهمة, فنحن قضينا فترة طويلة في محطة الانتظار, ليس من باب التريث والتفكير, بل بكل أسف من أجل ترحيل الملفات, حتى صدمنا الواقع, بأننا بحاجة إلى كل شيء, سياسة وخدمات واقتصاد وسياسة مالية ونقدية, ناهيك عن حجم الخسارة في الرأسمال الاجتماعي للدولة, كمحصلة لكل هذا التلكؤ والترحيل, وكأن أحدًا ما, من كوكب ما, سيأتي لابتكار الحلول, واجتراح المعجزات.
جاءت مشاريع التحديث الشاملة, لمواجهة هذا المرض العاصف, فقاد رأس الدولة محاولات جادة, لإعادة تشكيل المجتمع على أسس مدنية وحداثية, فكانت خطوة التحديث السياسي بارقة أمل, وبدا مشوار الرؤية الاقتصادية, فرصة لمراجعة كل الفرص الفائتة, واستعادة ما تبقى من فرص,واكتمل المثلث برؤية تطوير القطاع العام, لكن ارتدادت هذه الخطوة الجريئة, لم ترفع الرأسمال الاجتماعي للدولة؟, بل على العكس أضافت سلسلة من الارهاصات للمواطن والوطن, وأنتجت مشكلات بدل حلول, وأسئلة جديدة, بدل إجابات.
فاجأنا المحيط السياسي, بحجم التجريف والخراب في البيئة السياسية, وكانت محاولات البناء مهتزة وغير مقنعة, لا من حيث البناءات السياسية ولا من حيث البرامج, والأنكى تصدى للمهمة أو تم إحالة عطاء المرحلة, على شخوص من غير القادرين ولا العارفين, فحسم الغضب والعتب, مدخلات صناديق الاقتراع, أتحدث عن الأحزاب السياسية ومقاعدها, فالبنية المحلية بقيت صامدة على حالها, وجاءت النتيجة أكثر من مخيبة للآمال, ليس لأن حزبًا بعينه حصد جلّ المقاعد, بل لأنه حصدها لأسباب غير برامجية على الإطلاق, وربما لأسباب غير محلية أيضًا.
وبدا, كأن من صنع رؤية التحديث السياسي, قد تبرأ منها, أعني رئيس اللجنة, الذي كان أبرز من هاجم المخرجات, مما يطرح السؤال الكبير, في أي مختبرات جرت صناعة هذه الأدوات, وهل كان المجتمع أساسًا قابلاً, لهذا الانتقال الكبير, نحو تحزيب البرلمان؟ وإذا كان الجواب نعم, فهل تم العبث بهذه الرغبة؟ وتحويلها إلى مجرد اكسسوار؟ لكسر إرادة الناس ولمصلحة مَن؟ إذا لم تتم الإجابة على هذه الأسئلة, لن نتقدم ولن نعرف أولوية البداية ومن المهم ومن المستعجل.
ملف الرؤية الاقتصادية, يجب أن يُبنى وفق البنية السياسية الجديدة, لمعرفة أي شكل اقتصادي نريد, فهل نحن مع الاقتصاد الحر والسوق المفتوح, أم مع الاقتصاد الاجتماعي, أم مع عودة مفهوم الريعية للدولة, فنحن ما زلنا نسير وفق نظام ثلاثي,ريعي ورأسمالي واقتصاد اجتماعي, وهذا خليط هجين لا يبني رؤية ولا يبني اقتصاد, فكل فرع يحتاج إلى منظومة تشريعية وبنية تعليمة وحاضنة اجتماعية مختلفة, وأظننا لم نملك الإجابة حتى اللحظة.
تطوير القطاع العام, ما زال أسير الرؤى السابقة, فهل الوظيفة العامة مناطقية, أم زبائنية أم إرضائية, وكيف نبني تطويرًا, دون تقديم الكفاءة والعدالة والمساواة, مع ضرورة بناء التمكين اللازم للشباب, ومناطق الفقر, حتى يتمكنوا من المنافسة والمقارعة, فليس معقولاً أن تبقى حسابات المواطن, رقمية, عند كل تشكيل حكومي أو تعيين وظائفي وحتى المناصب الأكاديمية, باتت تخضع للرقمنة ليست الحديثة بل للرقمنة المناطقية والمحاصصة.
الحياة هى الحضور الواعى, وفهم الأولويات, والقدرة على التفرقة بين «المهم» و«العاجل», وحسن الاختيار بينهما, وتنقيتها من الإزعاجات والتخلص مما يضيع الوقت ويستهلك الطاقة، وعلينا أن نستهلك طاقتنا في الإجابة على ما سبق, لبداية جديدة, وسط إقليم بدأ يكشر عن أنيابه, ويتحرك نحو إعادة فك وتركيب كثير من أقطاره وأطرافه, والسياسة مهارة وتجارة, وعلينا أن نرفع من منسوب الطلب على بضاعتنا الوطنية, سواء البشرية أو السياسية, فلا يعقل أن نبقى بلا مشروع وطني شامل, نجيب فيه على كل الأسئلة, بما يتفق مع مصالحنا الوطنية, وليس مصلحة طبقة صغيرة تملك الكثير رغم محدودية عددها وتاثيرها.
omarkallab@yahoo.com