جهود العالم الاقتصادية في 2024 لمواجهة تغير المناخ

نبض البلد -

د. أيوب أبودية

في عام 2024، استمرت جهود العالم في مواجهة تحديات تغير المناخ من خلال تعزيز السياسات البيئية والاقتصادية الداعمة لهاعبرعقد المؤتمرات، واستخدام التقنيات المبتكرة للحد من الآثار السلبية لهذا الظاهرة الكونية. رغم التحديات الاقتصادية والسياسية المتعددة، بما في ذلك الانتخابات الأمريكية والتوترات الإقليمية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، استمرت الدول في العمل على تحقيق أهدافها المناخية، وركّزت الجهود على التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.

تُعد الانتخابات الأمريكية الرئاسية لعام 2024 أحد الأحداث المحورية في تحديد مسار السياسات العالمية فيما يتعلق بتغير المناخ. ففي ظل هذه الانتخابات، يُتوقع أن تكون السياسات البيئية أحد الملفات الأساسية التي ستشكل وجه السياسة الأمريكية والعالمية؛ إذ يتذكر العالم كيف قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017، وهو القرار الذي قوبل بانتقادات واسعة. لكن مع تولي جو بايدن منصبه في 2021، أعادت الولايات المتحدة الانضمام إلى الاتفاقية، مع الالتزام بتقديم مليارات الدولارات لدعم مشاريع الطاقة النظيفة. وقامت إدارة بايدن أيضًا بالموافقة على مشاريع كبيرة للطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح البحرية، في خطوة تهدف إلى دعم التحول نحو طاقة نظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. هذا التوجه استمر في عام 2024، حيث سعى المسؤولون الأمريكيون لتسريع المبادرات المناخية الكبرى قبل مغادرة الرئيس بايدن منصبه.

من أبرز الجوانب التي ساعدت في مكافحة تغير المناخ في 2024 هو التطورات التكنولوجية المستمرة. وفي ظل التقدم المذهل في مجالات الذكاء الاصطناعي وتقنيات الطاقة المتجددة، شهد العام ابتكارات وتحسينات تسهم في تحسين كفاءة الطاقة وتخفيض الانبعاثات الكربونية. من أبرز هذه الابتكارات كان تطوير بطاريات لتخزين الطاقة، والانخفاض الكبير في أسعار الطاقة الشمسية، مما جعلها واحدة من المصادر الرئيسية للطاقة النظيفة في العديد من الدول. كما شهدنا تحسّنًا ملحوظًا في تقنيات الرياح والطاقة الحرارية الأرضية. هذه التحسينات التكنولوجية تساهم في تسريع التحول نحو اقتصاد يعتمد على الطاقة النظيفة.

استمرت جهود العالم في مواجهة تغير المناخ من خلال العديد من المؤتمرات الدولية، وعلى رأس هذه المؤتمرات جاء مؤتمر الأطرافCOP29 الذي انعقد في عام 2024 في باكو. ويُعد الجزء الأهم من جهود الأمم المتحدة لمكافحة تغير المناخ، حيث جمع ممثلين من مختلف دول العالم، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص، لمناقشة التقدم المحرز في تنفيذ اتفاقية باريس وتحديد الخطوات المستقبلية للحد من الانبعاثات وتحسين التكيف مع تغير المناخ. وتعد هذه القمة بمثابة اختبار حقيقي للجهود الدولية في التعامل مع تغير المناخ على مستوى عالمي.

كما ركزت اجتماعات دولية عدة على التحول من مصادر الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفي هذا السياق، حققت الولايات المتحدة تقدمًا ملحوظًا في دعم مشروعات الطاقة النظيفة على الرغم من التحديات السياسية التي تواجهها. كما تُعد الطاقة النظيفة أولوية في السياسات الأمريكية منذ تولي جو بايدن رئاسة البلاد، حيث تعهد بتخصيص مليارات الدولارات لدعم هذه الصناعة. وفي الوقت نفسه، تسعى الدول الأخرى، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز استثماراتها في تقنيات الطاقة المتجددة لتقليل الانبعاثات وتحقيق أهداف الحد من الاحترار العالمي.

كذلك كان عام 2024 عامًا حافلًا بالمحادثات المناخية - من مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في كولومبيا، إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين Cop29 في أذربيجان، والمناقشات حول حظر البلاستيك في كوريا الجنوبية، وقمة التصحر الأخيرة في مؤتمر الأطراف السادس عشر في المملكة العربية السعودية. ومع استقرار الغبار على العام الأكثر سخونة على الإطلاق، فقد حان الوقت للتفكير فيما تم تحقيقه، وما لم يتم تحقيقه، وما الذي نتطلع إليه في العام المقبل، وخاصة في ضوء توقع العلماء انخفاض درجة الحراررة عام 2025.

في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو، تم التوصل إلى اتفاق في الوقت الإضافي بينما كانت أكبر محادثات المناخ في العالم على وشك الانهيار. وتدعو الحزمة التي أثارت نزاعًا شرسًا "جميع الجهات الفاعلة" إلى المساعدة في جمع مبلغ 1.3 تريليون دولار سنويًا الذي يطلبه العالم النامي. ومع ذلك، فإن المبلغ الأساسي الذي يتعين على الدول الغنية ترتيبه 300 مليار دولار، فكان أصغر بكثير مما دفعت إليه الدول الفقيرة والمتضررة بشدة. لذلك تتجه الأنظار الآن إلى البرازيل، المضيفة لمؤتمر الأطراف الثلاثين Cop30، بعد أن اعتبرت الدول النامية خطة التمويل المتفق عليها في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين فقيرة وجاءت متأخرة.

في بوسان بكوريا الجنوبية، سعت قمة الأمم المتحدة حول تلوث البلاستيك إلى وضع معاهدة للحد من إنتاج البلاستيك. ومع ذلك، فشلت القمة في التوصل إلى نتيجة. ووصفت إيرين سيمون، نائبة الرئيس ورئيسة قسم النفايات البلاستيكية والأعمال التجارية في منظمة غير حكومية بيئية، الفشل بأنه "مُحبط". وستستأنف لجنة التفاوض الحكومية الدولية بشأن البلاستيك المناقشات في عام 2025. ولم يتم الإعلان عن مكان انعقاد القمة بعد.

وقد شهدت أبو ظبي انخفاضاً قدره 360 مليون كيس بلاستيكي للاستخدام مرة واحدة منذ دخول الحظر حيز التنفيذ في عام 2022 (عقبال عند الأردن). وبحسب الدكتورة شيخة الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة في أبوظبي، فإن هذا يمثل انخفاضًا بنسبة 95% في عدد الأكياس البلاستيكية المستخدمة عند صناديق الدفع في الإمارة. وهذا يعادل 2400 طن من البلاستيك أو 547 ألف طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهو ما يكافىء انبعاثات 130 ألف سيارة ركاب تعمل بالبنزين لمدة عام واحد, وبحلول نهاية هذا العام، من المقرر أن يصل عدد الأكياس البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة والتي تم إنقاذها إلى 400 مليون.

إن خطر البلاستيك أكبر من إنتاج الغازات الدفيئة، فإن الجسيمات النانوية البلاستيكية، وهي أصغر حجمًا من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، وفقًا للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة، يتراوح حجمها بين 1 و1000 نانومتر، وهي صغيرة جدًا لدرجة أنها يمكن أن تدخل مجرى الدم بمجرد استهلاكها وتنتقل إلى أعضاء حيوية مثل القلب والدماغ.

وفي المملكة العربية السعودية، دخلت المحادثات في قمة الأمم المتحدة الحاسمة لمعالجة التصحر وقتا إضافيا في أوائل كانون الأول 2024 مع سعي المفاوضين إلى التوصل إلى استنتاجات من جانب الحكومات بشأن معالجة الجفاف. ورغم إحراز الدول تقدماً في إرساء الأساس لنظام عالمي للجفاف، فقد اختتم المؤتمر أعماله دون التوصل إلى نتيجة حاسمة. ومن المتوقع أن يتحقق ذلك في مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لمكافحة التصحر في منغوليا عام 2026.

وعلى الصعيد الإيجابي أيضا، يتوقع بعض العلماء أن يكون عام 2025 أكثر برودة قليلاً من عام 2024، وربما يكون هذا مؤشراً على سنة مناخية أكثر إيجابية في المستقبل تثبت نجاعة الإجراءات المتخذة لغاية الآن - مما يمهد الطريق لنتائج حاسمة في مؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل.