حملات قديمة للتشويش على المشروع الأردني.

نبض البلد -

حاتم النعيمات

المعلوم أن الهوية الأردنية راسخة ولا يهزها شيء، فالدولة الأردنية الحديثة عمرها 104 سنوات، والتاريخ الأردني تشهد له الأركيولوجيا وخصائص المجتمع الأردني المعروفة.

تاريخيًا، تعرض الأردنيون، منذ نشأة دولتهم الحديثة عام 1921، إلى حملات ضخمة وكثيفة ومتكررة استهدفت الذهنية العامة الأردنية بهدف فصل الأردنيين عن أرضهم ووطنهم، وإشعارهم بأن بلدهم لم يحقق المتطلبات الكافية ليكون وطنًا لهم كشعب. فتم ضرب الجغرافيا وتصويرها بأنها مصطنعة، وتم ضرب فكرة الشعب الأردني وتصويره بأنه إما مستورد أو بدائي.

هذه الحملات جاءت ضمن سياق صراع التيارات في المنطقة، حيث شكّل الإعلام القومي والناصري والفصائلي جبهة شرسة ضد المروية الوطنية الأردنية. وخلال هذه الحملات، تم تقزيم التاريخ الأردني والتضحيات التي قُدمت، إلى أن وصل الأمر إلى الهجوم على الهوية الوطنية الأردنية والتشكيك بوجودها من الأساس.

كانت اتفاقية سايكس-بيكو أبرز ما ارتكزت عليه هذه الحملات المعادية، حيث تم تصويرها وكأنها هي التي أنشأت الأردن، مع أن الاتفاقية لم تخلق كيانات من العدم بل قسمت مناطق نفوذ، وراعت الوحدات السياسية والاجتماعية التي كانت موجودة آنذاك. فالوحدة الاجتماعية الأردنية واضحة ومتجانسة في العادات والتقاليد واللهجة، من إربد إلى العقبة، ومن طريبيل إلى الأغوار، وإذا تحركت أبعد من هذه المناطق ستجد الاختلافات بشكل واضح.

تاريخيًا، لو تتبعنا تحركات رجال العشائر الأردنية لوجدنا أنهم كانوا يسعون دائمًا لإكمال متطلبات الحصول على دولة منذ عام 1910 (على الأقل). فقد قدم الأردنيون تضحيات نضالية ضد الحكم العثماني عبر عشرات الثورات الصغرى التي توِّجت لاحقًا بالثورة العربية الكبرى، وجاء على أثر ذلك كله الحكم الهاشمي الرشيد. وفي تلك الفترة أيضًا، عُقد ما يقارب ثمانية مؤتمرات قبل وبعد تأسيس الإمارة، وكان عنوانها العريض هو وجود عوامل مقرونة برغبة شعبية حقيقية لتشكيل دولة مستقلة، وهذا كله يعني ببساطة أن الأردنيين كانوا يرتبطون بهذه الأرض ويرونها وطنًا مكتمل الشروط منذ زمن طويل.

للأسف، بقيت لهذه الحملات رواسب في الذهنية العامة الأردنية، والتقى ذلك مع نزعة الإيثار التي يتمتع بها الأردني. فوصل بالبعض إلى حد إنكار الذات الأردنية لصالح مشاريع عابرة للحدود أو حتى لصالح دول أخرى لا تملك ربع العمق التاريخي أو التضحيات الشعبية الأردنية. ولغاية اليوم، نعاني من هذه الرواسب التي تستخدمها بعض التيارات لتمرير مشاريع التسوية في المنطقة باستخدام فكرة بسيطة يريدون تثبيتها لدى الوعي العام الأردني، وهي باختصار: لا يوجد مشروع وطني واحد مخصص لهذه الأرض، بالتالي، فهي من حق جميع المشاريع.

إذن، القصة هي قصة تراكمات عمرها عشرات السنوات، ومع ذلك فهناك ما هو إيجابي وجديد في المشهد يمكن تلخيصه بأمرين: الأول، هو غياب الجهات والدول الداعمة لحملات الباطل التي كانت قائمة خلال العقود الفائتة، والثاني هو وجود صحوة شعبية أردنية واضحة واستدعاء قوي لتاريخ وحضارة وهوية هذا البلد. بالتالي، فإن التقاء هذه العوامل سيحد من أثر تلك الحملات ومن التشويش الذي تتسبب به على النشء وعلى الأغلبية المحايدة وعلى مسيرة الإصلاح والتطوير الأردنية، فالانتماء أساس النهضة وبدونه سيتم تعريف العلاقة مع الوطن على أنها علاقة منفعة لا أكثر، وهذا خطير.