حساسية قانون العفو العام

نبض البلد -

حاتم النعيمات

تسعى لجنة الحريات النيابية إلى تبني مذكرة عفو عام، رغم أن آخر قانون للعفو العام صدر في نيسان من هذا العام. وبحدود معرفتي، لم يحدث في التاريخ أن دولة يعتقد بعض السياسيين فيها أنها تحتاج إلى قانوني عفو عام خلال سنة واحدة.

الفكرة من قوانين العفو ليست كسب الشعبية من قبل بعض السياسيين والنواب، فهذا القانون حساس جدًا ويمس الحق العام وأحيانًا يؤثر على الحق الخاص للمواطنين. كما أن التباعد الزمني بين نفاذ قوانين العفو يعد جزءًا مهمًا من منظومة محاربة الجريمة، فلا يمكن أن يطمئن أصحاب الميول الجرمية إلى إقرار قوانين العفو بهذه البساطة. وينطبق الأمر نفسه على المخالفات والغرامات.

في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، أُقرّت أربعة قوانين للعفو العام (1999، 2011، 2019، وآخرها 2024)، وكان واضحًا وجود تباعد زمني بين سنوات الإقرار، لإدراك صانع القرار حساسية هذا القانون وتكلفته. لذلك، من غير الطبيعي أن تُطرح فكرة قانون العفو العام في السنة ذاتها التي أُقر فيها آخر قانون.

إن تكرار إقرار قوانين العفو العام له آثار سلبية على المجتمعات؛ إذ يؤثر ذلك على جوهر سيادة القانون ويرفع من نسبة الجريمة، بحكم أن معظم الجرائم تتضمن حقًا عامًا وحقًا خاصًا. كما قد يعزز الشعور بالظلم لدى الفئات المتضررة من المجتمع، وقد يشجع على تكرار الجرائم، مما يؤدي إلى عودة الضغط على مؤسسات القضاء والسجون.

الأصل أن يتم التركيز على تفعيل العدالة التصالحية وتقليل مستويات الجريمة عبر محاربة العوامل التي ترفعها، مثل الفقر والبطالة، وتحسين الثقافة القانونية في مؤسسات التنشئة. كذلك، يجب تعزيز كفاءة القضاء وسرعة إجراءات التقاضي لما لذلك من أثر مباشر على ميل المواطنين إلى اللجوء للقضاء في تحصيل الحقوق. وفي مجال متابعة المفرج عنهم، لابد من تعزيز القوانين والتشريعات التي تسمح بمتابعتهم وتقويم سلوكهم.

ضبط نسب الجريمة في المجتمعات لا يتحقق بالتساهل مع مرتكبي الجرائم، بل يحتاج إلى حلول جذرية اجتماعية مختلفة كليًا عن الحلول اللحظية ذات الآثار الجانبية (مثل تكرار قوانين العفو). ولا ننسى أن الأردن قد قطع شوطًا طويلًا في الإصلاح والتأهيل، ويُعتبر من أفضل دول المنطقة في هذا المجال. بالتالي، نحن نملك الأساس لتعزيز محاربة الجريمة دون آثار جانبية ومشاكل نحن في غنى عنها.