نبض البلد - كريستين حنا نصر
المسيرة الهاشمية العريقة في جذورها وفكرها واستراتيجيتها ساهمت في نهضة قومية وانسانية مهمة، والراصد والمتتبع لها يكشف الكثير من الانجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ما تزال اثارها الايجابية ظاهرة في منطقتنا، فمن المعلوم أن الثورة أو النهضة العربية الكبرى بقيادة المغفور له الشريف الحسين بن علي أوجدت قاعدة حريات تتمثل بالمطالبة بالاستقلال والحرية والوحدة، وهذه الثلاثية ما تزال حتى يومنا مطلب الكثير من الاحزاب ومنظمات حقوق الانسان في العالم، كما نجحت بتذويب والغاء جميع الفوارق الطائفية والعرقية والثقافية والدينية في المنطقة، ومن ملامح هذا النجاح هو ظهور رجالات وقيادات كان لهم دور كبير في النهضة والتنمية.
ولقد استطاع الهاشميون في الحجاز والعراق وسوريا والاردن وعبر عقود من الزمن نشر ما يمكن تسميته بثقافة النهضة والتطور الشاملة، حيث عزز ذلك الدور التاريخي الذي وحد الصف القومي من حولهم، نسبهم الهاشمي للرسول الكريم محمد عليه السلام ورعايتهم ووصايتهم على المقدسات الاسلامية في مكة والمدينة آنذاك من جهة، ووصايتهم على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس حتى اليوم من جهة أخرى، اضافة إلى تمسكهم بالثقافة العربية وبنفس الوقت الانفتاح العالمي على تجارب الآخرين الناجحة والقابلة للتطبيق في مجتمعاتنا، مع الأخذ بعين الإعتبار حرصهم الهاشمي على تماشيها مع هويتنا وثقافتنا العربية، ومن محطات انجازاتهم على الصعيد السياسي صياغة واصدار دساتير عصرية تضمن حرية جميع فئات المجتمع ومن ذلك دستور سوريا عام 1920م ودستور العراق عام 1925م والدستور الاردني عام 1928م ولاحقاً اصدار دستور عامي 1946م و1952م، وبالتزامن مع ذلك تمّ تشكيل قانون انتخابات وحياة برلمانية ومشاريع وحدة مثل وحدة الضفتين (الاردن وفلسطين) عام 1950م والاتحاد الهاشمي (الاردن والعراق) عام 1958م، وتطور كبير في مجال التعليم من حيث المناهج وزيادة عدد الكليات والجامعات، وعلى الصعيد الاقتصادي انشاء مجالس الاعمار كما هو الحال باقامة مجلس الاعمار الملكي في العراق عام 1950م والذي نتج عنه مشاريع تنموية ما زال العراق يستفيد منها حتى اليوم، ومن ذلك مثلاً مشروع سد وبحيرة الثرثار 1956م، وسدة الرمادي وبحيرة الحبانية، وجسور ومصانع للأسمنت والسكر والنسيج والنفط والغاز ومحطات للطاقة الكهربائية في مختلف مدن العراق، وقد ساهمت السياسة الملكية الهاشمية المعنية بمجال الاقتصاد والاستثمار في المنطقة، بالتعمير وزيادة الانتاج والموارد والدخل من خلال عقد اتفاقيات تصدير البضائع والمنتجات الى دول الجوار والعالم، وهذه الخطوط العامة والمختصرة تعكس جانباً من الفكر والنهج الهاشمي القومي التنموي.
واليوم وبمناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، نلاحظ أن مسيرة جلالته الهاشمية ارتكزت على قاعدة صلبة، وبنفس الاتجاه نجحت في بناء المؤسسات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الاردنية، وذلك من خلال العديد من المبادرات الملكية واطلاق جلالته وبشكل مباشر برامج عمل شاملة بما في ذلك المعنية بالجانب الانساني والحقوقي في قضايا الوئام والتعايش واللاجئين والمهجرين، وتأتي عناية جلالته بالتطوير والنهضة الوطنية بشكل يسير جنباً الى جنب مع الواجب والأمانة القومية الاردنية في الوقوف مع الاشقاء في قضاياهم، بما في ذلك الدور التاريخي تجاه القضية الفلسطينية والحفاظ على سياسة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها مما جعل من الاردن واحة أمن وسلام استطاعت جذب الاستثمارات ورجال الاعمال، ممن تأكد لهم وفي ظل الصراعات والتحديات التي تشهدها المنطقة أن بيئة الاستثمار والاقتصاد الاردني قادرة على حماية أموالهم وكفيلة بتطوير مشاريعهم.
ان اليوبيل الفضي لجلالة الملك عبد الله الثاني هو استمرار واستكمال لمسيرة هاشمية مجيدة، كان البناء والنماء الوطني فيها جزء من مشروع نهضة ووحدة عربية ونداء للسلام الانساني كان للاسرة الهاشمية السبق في حمل رايته والدفاع عنه، واليوم ندرك جميعاً أن ما نعيشه في وطننا الغالي من تقدم وبالرغم من التحديات هو نتاج توجيهات ومتابعة ملكية حثيثة استطاعت أن تعبر بالاردن الى بر الأمان، والمطلوب اليوم منا جميعا ترسيخ وتحقيق رؤية جلالة الملك بان يكون كل واحد فينا مواطناً صالحاً يعمل لخدمة وطنه وأمته وانسانيته.
وكل عام وقائد مسيرة النماء والنهضة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين والاسرة الهاشمية والشعب الاردني بالف خير