حسين الجغبير
يعكس الأردنيون أصالتهم باستمرار، فرغم ضيق الحال وصعوبة الحياة يواصلون اثبات أن من أطلق عليهم لقب "نشامى" لم يكن عبثيا، فها هم يطلقون مبادرة مجتمعية وإنسانية عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل اسم "فزعة مسامح".
المبادرة تقوم على فكرة دعم المدينين المتعثرين، حيث تسابق الأردنيون للتفاعل معها عبر إعلان مسامحتهم والتنازل على مبالغ مالية مستحقة لهم في ذمة أشخاص غير قادرين على السداد، فعمد هؤلاء إلى تمزيق كمبيالات مالية باسم آخرين، فيما ذهب البعض إلى سحب دعاوى قضائية كانوا قد رفعوا بحق آخرين.
الفكرة سرت في دماء الأردنيين سريعا، والتفاعل معها لم يكن محدودا، حيث عكست معدن هذا الشعب الذي يعاني الأمرين جراء وضع مادي متدني وحالة اقتصادية صعبة جدا تحول بينهم وبين حياة كريمة وعيش هانيء، إلا أنه ورغم كل ذلك تناقلوا المبادرة ونشروها على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة كل من يملك القدرة على التسامح والتنازل إلى الشروع بذلك رحمة بأشخاص لم يعودوا قادرين على الإيفاء بالتزاماتهم المالية وديونهم وأصبحوا مطاردين من القضاء جراء دعاوى رفعت بحهم.
لماذا الأردن يصمد ويصمد في وجه أقوى العواصف؟، ففي الوقت التي شهدت دولا عربيا أزمات عديدة عصفت بها وما تزال تدفع ثمنها، يعكس عمان عنوانا حقيقيا للاستقرار والامن والهدوء رغم أن ما يطلبه الأشقاء العرب نطلبه من اصلاحات سياسية واقتصادية، لكن الفرق الجوهري بين الأردن وعدد من الدول يكمن في الشعوب التي في لحظة من اللحظات تدرك أن هذه المطالب مهما كانت أهميتها إلا أنها لا تعني شيئا أمام المصحلة العليا للوطن، ولأن ابناء هذه الأمة يملكون أدبيات الشعور بالمسؤولية الكثير الكثير، لذا تجدهم إلى جوار بعض، وإلى جوار الوطن في لحظاته الحاسمة.
هذا الشعب الذي لا يتوانى عن مساعدة الآخرين حري به أن يرفع على الأكتاف، وعلى الحكومة أن ترى فيما حدث درسا مهما، فلن تجد ناصرا لها سوى المواطنين وذلك لن يكون إلا إذا جهدت لخدمته بصدق وأمانة، وكان هو أساس حرصها من أجل تحقيق راحته الاجتماعية والاقتصادية، فعندما يدرك ذلك فهو خير معين، وقادر على تحمل كل الصعوبات لأن قصته الأبرز هي الوطن.
المثال الذي ضربه الأردنيون على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم سلبية بعض المشككين الذين تسابقوا للطعن بهذه المبادرة، يجب ان يشكل حالة من التلاحم الأردني في قضايا أخرى، فهذا السلوك هو ما نحتاجه أن ينتشر على هذه المواقع التي استخدمها البعض للأسف من أجل التشكيك واغتيال الشخصية والقدح والذم، وبث السلبية، ونقل المعلومات غير الدقيقة التي من شأنها التأثير على كل جوانب الحياة.
هكذا هم الاردنيين، وهكذا نريد من هذه المنصات الافتراضية، أن تسخدمها في الصالح العام، لتكون كنهر عذب يسقي ما حوله من أشجار لتزداد اخضرارا ولتوفر ثمارا أكثر. هؤلاء ابناء هذا الشعب الذي نعشق ونحب، يدا واحدة وقلبا ينبض بذات الوقت.
الزميل جهاد ابو بيدر اطلق هذه المبادرة كشمعة لا بد وان تنير عقولنا وتفتح افاقا جديدة لمبادرات مماثلة.