بهدوء
عمر كلاب
كشفت مجريات المسار العام في الآونة الاخيرة, عن سوء فهم واختلال في مثلث الدولة الاردنية , الشعب والنظام والمنظومة , فكل الامور سائلة ومختلطة في الوعي , وهذا ما يجعل اي جهد اردني فاقد للنتيجة , فالاختلال المعرفي والمنهجي هو السائد , والغرائزية سيدة الموقف والضياع في العقل المركزي للسلطة بات في ابرز تجلياته , واجزم بأن هناك من يعمل بكفاءة وكثافة على تكريس هذا السلوك العام , وان الهدف النهائي هو تكسير الدولة وتعرية مقاومتها حتى تصبح لقمة سائغة للحل النهائي .
اليوم لا تجد مسؤولا قادرا على اتخاذ اي قرار , فالجبن سيد الموقف , من وزارة الزراعة الى وزير النقل الى وزيرة الطاقة , وحتى الوزارات السيادية مكبلة وغير قادرة على اتخاذ قرار واحد , يضبط ايقاع العمل العام , فنحن امام حالة انسداد في شرايين العقل الجمعي , اسفرت عن بداية تجلطات في القلب العضوي للدولة , فهل يعقل ان كل الازمات وقعت على رأس الدولة دفعة واحدة وان المسارات كلها معطلة ؟ دون ادنى مبادرة لفكفكة الازمات المجتمعة , رغم وجود الاف المخارج للحلول , لكن اول الحلول هي القرارات الجريئة وهذه تتطلب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب , وللاسف هذا كله مفقود , فأبسط اشاعة واسخفها قابلة للانتشار وللتصديق والتداول , مما يشير الى احتمالين اما ان المواطن فقد كل الثقة وتجاوز عن الحقيقة او ان المطلوب الاجهاز على الرمق الاخير من المثلث العام للدولة , فالنظام الآن يعيش مرحلة حرجة من خلال عجز المسؤول عن اتخاذ القرار ويعيش ازمة الترهل والتسيب وعدم المقدرة على القيام بالواجبات الموكولة الى كل ركن من اركان النظام وحتى يكون الموضوع واضحا فإن المقصود بالنظام هو الذي قصده الملك في رده على المطالبين باسقاط النظام فالنظام هو محمل الادوات والوسائل التي ندير بها الشعب .
اما المنظومة فهي سلسلة القيم والمعايير التي ندير بها شان الشعب , واظنها اليوم تعاني من تآكل وتراجع على المستوى القيمي وتفقد متانتها وترابطها , بدليل ان الأسرة لاردنية – ان صدقت الاخبار – تعاني من نقص في الغذاء والدفء , دون ادنى متابعة من اجهز السلطة او من المحيط الاجتماعي القريب الذي بات مشغولا بنفسه فقط , فالمنظومة كلها مختلة , فالموازنةتأكلها الرواتب وخدمة الدين ومع ذلك لا يقوم الموظف العام بتقديم الخدمة الواجبة للمواطن بل يشعر ان المواطن في خدمته وتحت سطوته .
الشعب بدوره ليس بريئا وليس ضحية , فهو تعايش مع النظام العام والمنظومة , دون ادنى مراجعة او متابعة , فلا هو ضاغط لتغيير النظام وتقوية ثوابت المنظومة التي يتغنى بها يوميا ويقسم عراها كل لحظة بالواسطة والحسوبية والهويات الفرعية , ولا هو قادر بحكم تشظيه وانفلاشه جهويا وديمغرافيا على انتاج نظام جديد ومنظومة بديلة , فكثير من المجتمعات نجحت في فرض منظومتها , فالاحياء يجب ان تجد منظومة للامن والحماية والنظافة , والشركة يجب ان تخلق منظومتها التي تفرض على نظامها الاستجابة لمطالب العاملين فيها , لكننا مجتمع فردي ومجتمع اناني اذا حقق الشخص منا هدفه تناسى كل التنظيرات السابقة واكتفى بما حققه فرديا , واذا ما اخفق في مسعاه الشخصي فإنه يعود كائنا اجتماعيا يطلب النصرة والفزعة من محيطه لتحقيق هدفه .
ثمة ضلع رابع سنتحدث عنه غدا , بات بارزا جدا وهو تحالف خفي يقود الدولة نحو مصالحه ويسعى الى السيطرة على النظام والمنظومة والشعب وهذا بحد ذاته معضلة كبرى اذا لم تتناغم اضلاع المثلث الاساس .
omarkallab@yahoo.com