نبض البلد -
نبض البلد -
لليوم السابع على التوالي، عاودت الانتفاضة الشعبيّة في لبنان إثبات نفسها في الشارع، متجاوزةً الورقة الإصلاحيّة التي أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري، وبدا أنّ البلاد دخلت في الجولة الثانية من الكباش، ما يعني أنّ لعبة عضّ الأصابع بين الحكومة والشارع مستمرّة، مع دخول الجيش على الخط لفتح الطرق التي أغلقها المحتجون.
ودلّ الحشد الشعبي، أمس، على أنّ الحراك ما زال محافظاً على قوّة الدفع والاستمرار حتى تحقيق المطالب. وفي غياب الثقة، فإنّ الطبقة السياسيّة باتت أمام مأزق كبير، إذ لا يمكن تجاهل حجم المشاركين في التظاهرات، ودورهم في أيّة خطّة سياسية جديدة للإنقاذ، على الرغم من التلويح بالعصيان المدني أو إعلان حالة الطوارئ.
وما مشهد الشارع، في مواجهة محاولة السلطة إعادة فتح بعض الطرق التي أقفلها المتظاهرون، ووضعهم وجهاً لوجه مع المؤسّسة العسكريّة، سوى عيّنة من هذا الإصرار على البقاء في الساحات وفي الشوارع لإرغام الحكومة على الاستقالة.
وافترش الآلاف الشوارع، وهم يلوحون بالأعلام ويرددون شعارات «سلمية سلمية» رداً على محاولة وحدات من الجيش تنفيذ أوامر بفتح الطرق المغلقة في اليوم السابع من الحراك الشعبي.
ونفّذ الجيش انتشاراً غير مسبوق منذ انطلاق الحراك، لفتح الطرق الرئيسية تنفيذاً لما وصفه مصدر عسكري بـ«قرار لفتح الطرق العامة وتسهيل تنقل المواطنين».
واصطدمت محاولاته هذه شمال بيروت برفض مطلق من المتظاهرين الذين افترشوا الطرق ورددوا النشيد الوطني، وتضاعفت أعدادهم تدريجياً خصوصاً في محلتي الزوق وجل الديب، كما نقلت «فرانس برس».
وهتف المتظاهرون «سلمية سلمية» موجهين التحية لجنود الجيش بعدما التصقت أجسادهم ببعضها البعض، ورددوا النشيد الوطني. وبدا الجنود عاجزين إزاء هذا المشهد وذرف بعضهم الدموع تأثراً.
وقال إيلي صفير (35 عاماً) أحد المتظاهرين في محلة الزوق لـ«فرانس برس»: «رأينا دموع الجنود وهم يقفون في وجهنا، هم ينفذون الأوامر وليسوا سعداء لإقدامهم على تفريق المتظاهرين».
وعقد المتظاهرون من نساء ورجال وأطفال حلقات رقص ودبكة مرددين شعار «ثورة ثورة»، وقدموا الورود لعناصر الجيش، مؤكدين أنهم يقفون معهم في «خندق» واحد.
وأكد سعد الحريري في بيان «ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كافة المناطق».
وتفاوتت حركة الشارع، أمس، بين الهدوء في بعض الساحات والصخب في بعضها الآخر، من دون أن يتغيّر زخم التجمعات في الساحات الرئيسية في بيروت وطرابلس وصيدا وصور، وعلى الطرقات الدولية في جونية وجل الديب والنبطية وبعلبك وحلبا، والتي بقيت على حالها رغم مرور سبعة أيام على انطلاق حركة الاحتجاج، فيما عملت قوات الجيش على فتح بعض الطرقات بـ«هدف ضمان حرية النقل للمواطنين والمؤسّسات»، لا سيّما المتعلقة بحياة المواطنين من صحّة وأفران ووقود وصيدليات وسواها. وذلك، وسط معلومات تردّدت أنّ القوى الأمنيّة قرّرت فتح الطرقات الرئيسية «بالإقناع، لا بالقوة». وبدا أنّ القرار اتُّخذ على المستوى الرسمي الأعلى.
بين مشهدين
وما بين المشهد الحكومي والقرارات التي تمّ الاتفاق عليها في مجلس الوزراء، وبين مشاهد المحتجّين الذين يملأون الساحات، لا تزال الصورة مشوبة بشيء من الغموض. وثمّة من يرى أنّ الساعات القليلة المقبلة هي فرصة لكي يتحدّد فيها مسار الأمور، لجهة «الورقة الإنقاذية»، وبالدرجة الأولى لفئات المحتجّين لفهم تلك القرارات وأهميتها، وقياس ما إذا كانت هذه القرارات ملبية لما يطالبون به، أو أنّها خلاف ذلك. وفي ضوء ذلك يُبنى على الشيء مقتضاه. كما أنّ هناك من يرى أنّ مسار الاحتجاجات لن يتوقف ما لم يبدأ حوار، مباشر أو غير مباشر، بين ممثلين عن الحراك والسلطة.
وإذا كان مبدأ الحوار سيسقط بدوره، فإنّ المرحلة التالية للتحرّك الشعبي ستكون محفوفة بالغموض الكبير، فيما لا يخفى أنّ السلطة تبدو مربكة للغاية في التعامل مع يوميّات الاحتجاجات التي قلبت المقاييس السياسية رأساً على عقب.وتبعاً لذلك، اعتبرت مصادر مواكبة للحراك في الشارع أن لا خيار أمام رئيس الحكومة، لإنقاذ البلاد، سوى تقديم استقالته، والقفز فوق ما وصفته بـ«ضغوطات» تُمارس عليه من أهل السلطة الرافضين لهذا الطرح، ومن بعض القوى السياسية التي لا يناسبها فقدان زمام المبادرة، وفي مقدّمها «حزب الله» خشية سحب الغطاء الشرعي عنه.
في المقابل، تردّدت معلومات مفادها أنّ هناك إصراراً أوروبياً ولدى العواصم الغربية على بقاء الحريري، لأنّه يشكّل في رأيها الضمان للدول الأوروبية والضمان لمؤتمر «سيدر» الخاص بلبنان. كما نقل مكتب الحريري عن منسّق الأمم المتحدة في لبنان قوله إنّ حكومات أجنبية عبّرت عن تأييدها لأهداف الإصلاح التي حدّدتها الحكومة.
لا استقالة ولا تعديل
وفي أجواء الحراك الشعبي الذي تواصل فصولاً، بدت فكرة تعديل الحكومة التي طرحها البعض غير ذي موضوع، إذ إنّ بعض أهل السلطة تجاوزها إلى البحث في تعيين بدلاء لوزراء «القوات اللبنانية» المستقيلين.
كذلك تجاوزوا ما همس به البعض من فكرة تأليف حكومة غير موسّعة، في وقت أبلغ رئيس الحكومة رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ استقالة الحكومة أو تعديلها ليسا واردين لديه، وأنّ الأولويّة للتنفيذ السريع للمقرّرات التي انتهى إليها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة.
وكان السيناريو أن يطلب رئيس الجمهورية ميشيل عون ورئيس الحكومة من بعض الوزراء تقديم استقالاتهم رضائياً لتلافي اللجوء إلى البند 2 من المادة 69 من الدستور، التي تقضي بإقالة الوزير بمرسوم يصدره رئيسا الجمهورية والحكومة بعد موافقة أكثرية الثلثين الوزاريّة.