- وكالات
يكاد بيت هاني العامر في قرية مسحة غرب سلفيت، يكون من أضيق وأغرب أماكن العيش في فلسطين والعالم، نتيجة وقوعه خلف جدار الضم والتوسع العنصري، وعلى أرض اقيمت عليها مستوطنة.
البيت الذي يعيش فيه ثمانية، محاط ببيوت المستوطنين، والأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة والأقفال والأبواب الحديدية الضخمة، وأذونات الدخول والخروج، ما جعل حياة العائلة قاسية، فلا مواصلات، وهناك صعوبة في الوصول للمراكز الصحية والمدارس.
لا يجد أطفال العامر أصدقاء يلعبون معهم أمام المنزل، حتى لا تصل الكرة إلى بيت مستوطن فيتعرض الجميع للعقاب من الاحتلال.
في بداية السبعينات اشترى هاني العامر(62 عاما)، قطعة أرض بمساحة 3 دونمات، غرب القرية، وأقام عليها بيتاً آملاً في بناء حياته من جديد.
يقول العامر: في تلك المرحلة، كانت كرفانات مستوطنة "الكاناة"، تبعد نحو كيلو متر عن منزلي، لكنها سرعان ما بدأت تزحف باتجاهنا، وبدأ الاحتلال بإجراءاته التعسفية بهدم ملحق المنزل، ومشتل زراعي، حتى جاءت مرحلة بناء الجدار، فنسفوا المشتل. وبعد هدمه اتجهت إلى أرضنا بقرية عزون عتمة جنوب قلقيلية، وأسست فيها مزرعة، فلحقني الجدار إلى هناك، وهدمتها جرافات الاحتلال.
وأوضح: المعاناة في عزون كما في مسحة، كنت ممنوعاً من الدخول لمزرعتي، التي كلفتني الكثير، بسبب افتقار المنطقة للبنى التحتية، فاشترى مولد كهرباء، وأسس بيوتا شبيهة بالبلاستيكية لتفادي الهدم، ومع ذلك تم هدمها.
لم يرحل العامر عن عزون عتمة، واستمر بالتحدي والبناء ومقاومة الجدار إلى أن نجح مع الأهالي بإزاحته عن أرضه.
وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، فإنه في 1978، أقيمت أول مستوطنة وهي "الكاناة" على أراضي سلفيت، على مساحة 50 دونماً، قبل أن تتوسع وتسيطر على آلاف الدونمات من أراضي مسحة.
ويستذكر العامر اللحظات الصعبة في مسيرة بناء الجدار وضم منزله للأراضي المستولى عليها داخل المستوطنة: عام 2003-2004 تم إبلاغي بالرحيل من المنزل تمهيداً لهدمه، أو وضعه داخل الجدار، فقلت لهم: لا مكان آخر أذهب اليه. كان المتضامنون ينامون في منزلي وحديقته، لمنع الاحتلال من بناء الجدار، وفي إحدى الأيام حضرت قوة من الجيش، تبعتها حافلات تقل نحو 500 جندي، اعتقلوا المتضامنين، وبقيت وحدي، ساوموني كثيرا على ترك المنزل، ورفضت.
وتابع: في البداية عرضوا علي فتح البوابة ربع ساعة في اليوم لتوفير مستلزمات البيت، رفضت الفكرة نهائياً، أرادوا فرض الموت البطيء علي وعلى عائلتي، وهددوني بالقتل، ولم أتنازل.
تقول زوجة هاني، منيرة العامر (55 عاما)، في أول يوم بعد وضع البوابة والانتهاء من بناء الجدار أغلق الاحتلال البوابة، كانت نصف عائلتي خارج الجدار ونصفها الآخر داخله، أغلقوا الابواب بلحام الاكسجين وذهبوا وتركونا على هذا الحال.
ويذكر، عندما كان أحد أبنائي بعمر 3 سنوات بعد بناء الجدار، دخل من أسفل الباب الذي يفصل بين المنزل والمستوطنة، (يرتفع 30 سم)، وسار باتجاه المستوطنة، رآه الجنود، ولم يردوه إلى المنزل، ومنعوا والدته إرجاعه، تركوه يدخل المستوطنة وقاموا بإغلاق بوابتها، في تلك اللحظة كنت محتجزاً خلف الجدار في عزون عتمة، وكانت زوجتي خلف الجدار في مسحة، والطفل داخل المستوطنة، وخوفنا يزداد كل دقيقة على الطفل من الجيش والمستوطنين.
"بقينا ساعة عاجزين، حتى اتصل أحد العمال العرب في محطة البنزين داخل المستوطنة، والتي تبعد مسافة 500 مترا عن المنزل، وأعادوا الطفل، ورغم ذلك حاول الاحتلال معاقبتي على دخول الطفل للمستوطنة".
وأضاف، يفصلني عن القرية بوابتان، في الأعياد والمناسبات افتح الباب طوال الوقت، حاولوا منعي لكنني تغلبت عليهم. وبيّن: مطلبي الوحيد أن أعيش بمنزلي وبين التراب والزرع، لا يلزمني للاستمرار في الحياة هنا أكثر من الخبز والماء.
وبحسب رئيس مجلس مسحة، نضال عامر، التهمت المستوطنات نحو 4000 دونم من أراضي القرية، والتهم الجدار ما يقارب 500 دونم أيضا.
منذ العام 1948، وعائلة "العامر" تعيش مرارة النكبة، 72 عاماً والاحتلال يهجرها من مكان إلى آخر، ويحاصرها، ويهدم منشآتها. حيث هُجرت عائلة الجد عبدالله من كفر قاسم، وفقدت كل ما تملكه، ومعيل الأسرة الوحيد إثر استشهاده على الطريق.
وبدأت العائلة، بلملمة أوضاعها بإيجاد أرض قريبة من كفر قاسم، سكنت فيها وعمل أفرادها بالزراعة، وكان الأبناء ينامون أيام الحصيدة على "الغمر"، يحصدون في النهار، وفي الليل يرعون البقر، ويحرسون الأطفال من الضباع والحيوانات.
يقول هاني العامر، خلال التهجير تركت العائلة المنزل، وسارت وحيدة بلا مقومات حياة، اعتقد الجميع أنه سيبدأ حياة مستقرة وهادئة، قبل أن يأتي الاستيطان وتبدأ المستوطنات بسلب الأراضي ومصادرة الأرض.