"أم محمد".. صمود حتى الرمق الأخير

نبض البلد -

الاحتلال قتل زوجها ويحارب رزقها ويمنع توصيل الكهرباء والماء لمنزلها

  - وكالات

"هل تعلم أن كل أموال "إسرائيل" لا تساوي ثمرة من شجرة التين"؟ هكذا ردت أرملة الشهيد جواد أبو عواد، على أحد ضباط الاحتلال، عندما عرض عليها مبلغا كبيرا مقابل ترك منزلها وأرضها.

أمل أبو عواد (أم محمد) تعرضت لمضايقات متكررة، في محاولة لإجبارها لترك ممتلكاتها في قرية ترمسعيا شمال رام الله، والتي آخرها اجبار العائلة على هدم بركس للعجول تمتلكه، خشية غرامة قد تفرضها سلطات الاحتلال بحقهم، إذا ما نفذت جرافاتهم عملية الهدم.

حكاية (أم محمد) بدأت في عصر 5 أيار 1988 عندما أطلق مستوطن النار على رأس زوجها جودة أبو عواد (28 عاما) بينما كان يصلي في أرضه بالقرية، حيث ارتقى شهيداً على الفور، وأصيب قريبه رزق أبو نعيم.

هاجم المستوطنون بعد جريمتهم منزل العائلة الذي يبعد عدة أمتار عن مكان استشهاده، ويقع أسفل مستوطنة "شيلو"، ويبعد 2 كيلو متر عن أقرب منزل في ترمسعيا.

كانت (أم محمد) حاملا في شهرها الرابع، والبيت لا يوجد فيه إلا هي وطفلتها سعدة ابنة العشرة أشهر، وأولادها تيّم ومحمد اللذان يعانيان من الإعاقة، ووالد زوجها الذي رفض أن يغادر المنزل مفضلاً الموت على أن يترك عتباته.

اليوم وبعد مرور 31 عاما على الجريمة، وقفت (أم محمد) على تلة مقابلة لـ"شيلو"، في محاولة للوصول إلى موقع استشهاد زوجها حتى تروي حكاية الإعدام، إلا أن مستوطنا جاء مسرعا إليها مصوبا سلاحه نحوها، فاضطرت إلى الرجوع عدة أمتار إلى الخلف، وقالت: "أقيمت عدة مصانع تابعة للمستوطنة، أحدها ينتج زيت الزيتون الذي يسرقه المستوطنون من أرضها التي تبلغ مساحتها نحو 50 دونماً، استولى الاحتلال على 47 منها، ويعلوا هذه المصانع منزل ضخم تقول (أم محمد) إنه بني في نقطة استشهاد زوجها للمستوطن القاتل.

تزوجت (أم محمد) من شقيق زوجها عودة أبو عواد الذي كان في الأسر يوم استشهاد شقيقه وانجبت منه 6 أولاد، حيث أفرج عنه في 7 كانون أول 1989 بعد أن قضى 15 عاما في سجون الاحتلال.

وتقول: لولا صمودنا في المنزل لسرق الاحتلال باقي السهل الممتد من ترمسعيا حتى أطراف المستوطنة، صبرنا على كل المآسي، في كل يوم لنا تجربة مع انتهاك جديد".

كانت تسير على قدميها عدة أميال حتى تصل إلى أقرب بقالة، حملت على رأسها عبوات الغاز وصناديق الخضار، وأكياس الطحين، حتى تطعم أطفالها الأربعة، لكنها فقدت ابنها تيمّ بعد صراع طويل مع الشلل في الدماغ، الذي يعاني منه أيضا ابنها محمد.

لم يغب الاحتلال يوما عن مهاجمة هذا المنزل الذي يعتبره عائقا لسرقة سهل ترمسعيا الذي يعج بأشجار الزيتون والتين وكروم العنب، فشرق المنزل وعلى بعد مئات الأمتار استشهد الوزير زياد أبو عين عام 2014 بينما كان في فعالية مناهضة للاستيطان بالمنطقة.

قبل نحو 15 عاما هاجمهم مستوطنون، أخرجوا أفراد العائلة إلى العراء، صوبوا أسلحتهم اتجاههم وهددوهم بالتصفية في حال لم يتركوا المنزل، وقبل سنوات اقتلع مستوطنون أشتالا لشجر الزيتون، وقبل أشهر اضطرت العائلة لهدم غرفة، وبيت بلاستيكي، وبركس العجول، بعد إخطارهم بالهدم.

"بعد يوم طويل ومتعب من قطاف الزيتون، وصلنا المنزل بعد غروب الشمس، كان أطفالي يتضورون جوعاً، كنت أبحث عن عود كبريت حتى أشعل لمبة، وما إن أشعلتها حتى دبت نار قوية فيها، امتدت إلى ملابسي، ركضت إلى خارج المنزل، ارتميت على التراب ورحت اتقلب يمنة ويسرة حتى أطفئ نفسي"، تضيف.

كما يحارب الاحتلال رزق هذه العائلة، يمنع أيضا توصيل الكهرباء والماء إليهم منذ أكثر من 30 عاما، لكن العائلة تمكنت من التغلب على ذلك من خلال الألواح الشمسية، وحفر آبار للماء.

وفيما اذا كانوا يفكرون بمغادرة المنزل؟ أشارت إلى الفلل الفارهة، وقالت: لا تغرينا أبدا هذه المنازل، نجد كرامتنا هنا بين زيتوننا.. بين هذه الحجارة.. سنوات طويلة مرت ونحن هنا.. رؤوسنا طول عمرها مرفوعة.

وترمسعيا التي يبلغ عدد سكانها 11 ألف، منهم 7 آلاف مغترب، تقع على 22 ألف دونم، يسيطر الاحتلال على أربعة منها، مقام عليها مستوطنات "عادي عاد"، و"شيلو"، و"عامونا".