الدكتور حسن محمد المومني
أثارت صفقة القرن المقترحة اهتماماً لدى السياسيين والكتاب المهتمين بالقضية الفلسطينية أنتج كثير من الأدبيات التي حاولت أن تستقرأ الخطة وتداعياتها حيث تنوعت هذه الكتابات. فمنهم من تحدث بما فيهم معدو هذه الخطة بتفاؤل على أنها ستكون مختلفة عن سابقاتها تؤدي إلى إنهاء النزاع من حيث تأمين الأمن والسلام لإسرائيل وحياة فضلى للفلسطينيين .
وبالمقابل هنالك الكثير ممن هاجم هذه الخطة وحكم عليها بحتمية الفشل على اعتبار أنهاتقدم رؤيا مغلوطة قائمة على الاعتراف بالأمر الواقع التي فرضته إسرائيل . إضافة إلى أنها تنظر إلى االقضية على أنها صراع يتعلق بحرمان اقتصادي اجتماعي يعاني منه الفلسطينيين ويقلل من الحقوق السياسية لهم. وبتقديري أن القائمين على إعداد هذه الخطة ، ليسوا بجهلة وإنما ما يقومون به من إعداد صفقة تقومبتفكيك تدريجي لسردية القضية الفلسطينية القائمة على قرارات الشرعية الدولية التي تركز على الجوهر القانوني والسياسي واعادة إنتاج رواية مختلفة تقدم الصراع بسياق تهميش اقتصادي اجتماعي لمجموعة بشرية على الأرض الاسرائيلية هم الفلسطينيين لذلك يكون الحل من خلال مشاريع تنموية تخلق ظروف اجتماعية تاريخية تؤدي إلى إنتاج أجيال برؤية مختلفة كلياً عن من سبقهم . وأعتقد أن من يقوم على هذه الخطة يملك فهماً دقيقاً لقوة الولايات المتحدة على التأثير على الأطراف وفهم للظروف الاقليمية والدولية وبشكل خاص المتعلق بالبعد العربي للقضية الفلسطينية توفر فرصة ثمينة لتحقيق هذه الرؤية. ففي السياق الدولي هنالك تحولات في العالم وبالأخص صعود اليمين والحركات الشعبوية التي هي في الأصل لا تؤمن بالحقوق السياسية الفلسطينية لا بل أن كثير من هذه الحركات وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة تملك رؤية متطابقة مع اليمين الاسرائيلي . أما في السياق العربي وبغض النظر على الضخ الاعلامي والتأكيد على مركزية القضية الا أننا لا نستطيع تجاهل الحقيقة أن هنالك حالة فوضى غير مسبوقة، إضافة إلى سيطرة الأولويات الوطنية المتمثلة بجملة من التحديات للمصالح الوطنية لكل دولة عربية وغلبتها على القضية الفلسطينية . أما النقطة الأهم التي يستغلها كوشنر هي حالة الضعف الفلسطيني سواء في سياق الانقسام أو عدم وجود قيادة فاعلة تتمتع بتأييد معظم الفلسطينيين إضافة إلى غياب القدرة على انتاج مشروع وطني فلسطيني في الوقت الحالي قادر على مجابهة هذا الواقع المؤلم . مثل تلك الظروف وفرت فرصة للترامبية - للكوشنرية لتفكيك القضية من قضية شعب يرزح تحت الاحتلال ناضل عقوداً وحصل على اعتراف دولي بحقوقه السياسية إلى مسألة فرص تجارية ومشاريع . إن المتتبع لنهج الادارة الامريكية منذ سنتين يستطيع أن يجزم بأن هذه الفلسفة التفكيكية ومن خلال مجموعة الخطوات التي اتخذت على أرض الواقع قد خدمت اسرائيل. لكن وبنفس الوقت فإنها وما صاحبها من ضغوط هائلة باتجاه الفلسطينيين سوف تفرض عليهم حتمية أن يسارعوا إلى تفكيك أيضاً مشروعهم الوطني التقليدي وانتاج مشروع وطني آخر ونهج مختلف عن ما سبقه . قد لا يتم هذا في المدى القصير لكن ما مرت به القضية في العقود الأخيرة والتطورات في العملية السلمية والتي لم تؤدي إلى تحقيق حلم الدولة الفلسطينية اضافة الى التطورات الحالية سوف تخلق ظروف سياسية واجتماعية تاريخية تحتم على الفلسطينيين أن يفككوا مشروعهم الوطني وطرق تحقيقه واعادة إنتاج مشروع آخر بوسائل مختلفة عما سبقها .بحيث يكون له تأثيرات مستقبلية متوقعة على طبيعة الصراع وعلى المنطقة أقلها على المستوى المتوسط.