يوم 22 شباط 2019، انتفض الجزائريون، احتجاجاً على الغلاء والضرائب وسوء الإدارة وضعف الخدمات وإعادة ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للولاية الخامسة أو تمديد ولايته الرابعة، وطالبوا بالديمقراطية والشراكة والتعددية، وتداول السلطة والاحتكام لخيارات الجزائريين عبر صناديق الاقتراع .
ويوم 14 أذار 2019، انتفض الفلسطينيون في قطاع غزة، كما فعلها الجزائريون، احتجاجاً على الجوع والفقر والفساد وسوء الإدارة والتسلط والانفرادية التي تقودها حركة حماس منذ انقلاب حزيران 2007 إلى اليوم .
شعب الجزائر، قدم التضحيات من مليون ونصف المليون شهيد حتى طرد الاستعمار الفرنسي وهزمه بقيادة جبهة التحرير الجزائرية، ومن خلالها قدم النموذج للنضال، وشعب فلسطين تعلم من الجزائريين وسار على درب ثورتهم، وقدم مئات الالاف من الشهداء ولا زال يُعاني من الاحتلال والاستعمار والقهر، وثورته مازالت متواصلة متقطعة ونموذجها بسالة وشجاعة وأداء عمر أبو ليلى وغيره العشرات من النماذج الكفاحية، كل بطريقته وموقعه، من الشباب والصبايا .
شعب الجزائر ينتفض ضد قائدة نضاله جبهة التحرير الجزائرية، وضد إدارتها المنفردة ومرشحها للرئاسة، وشعب فلسطين في قطاع غزة ينتفض ضد حركة حماس، لنفس الأسباب، مع أن الفرق كبير بين جبهة التحرير الجزائرية التي قادت النضال وحققت أهداف شعبها بالحرية والاستقلال، بينما حركة حماس التي وُلدت فصيلاً مجاهداً، على طريق جبهة التحرير الجزائرية، قادت أهل غزة نحو الانقسام والخراب والأحادية ونحو الإفقار والتسلط والدونية، ولهذا كان لجبهة التحرير الجزائرية أفضال على الجزائريين، أنها حررتهم من الاستعمار، بينما حركة حماس أوقعت الفلسطينيين بسوء خياراتها الأحادية التسلطية القمعية .
كنا نرى في حماس أنها النموذج الكفاحي، ولكنها كانت ولم تُواصل، وقدمت التضحيات ولكنها توقفت، واستولت على السلطة في قطاع غزة ولازالت، فالعدو المتفوق تحتاج مواجهته لوحدة الفلسطينيين وليس تمزيقهم وتقسيمهم والبطش بقياداتهم النقابية والسياسية والمجتمعية، كما تفعل حماس بشعبها في قطاع غزة .
العدو الإسرائيلي يتحكم بطرفي الانقسام، ويعزز هذا الانقسام منذ الانقلاب ويعمل على مواصلته، وإبراز مظاهره حتى يعود على الشعب الفلسطيني ليس فقط بسوء أحواله وتدني مستوى نضاله، وتراجع مستوى تضامن العالم مع عدالة قضيته ومشروعية مطالبه وأهدافه، بل وانحطاط معنوياته، خدمة للمشروع الاستعماري التوسعي الذي عمل على تمزيق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى ثلاثة مناطق منفصلة :
1 – القدس مفصولة عن الضفة الفلسطينية، ويعمل على تهوديها وأسرلتها، 2 – الضفة الفلسطينية ويعمل على تمزيقها بالمستوطنات والشوارع الالتفافية وزرع المستوطنين الأجانب على أرضها، وفصل غور الأردن الفلسطيني عنها، وتنفيذ مشروع مد القدس عبر مستعمرة معاليه أدوميم نحو نهر الأردن، بهدف تقسيم الضفة إلى ضفتين شمالية وجنوبية مفصولتان عن بعضهما، كما هي العلاقة الجغرافية المقطوعة ما بين الضفة والقطاع، 3 – قطاع غزة المفصول عن القدس والضفة، وهي مشاريع واضحة بائنة معلنة لا تحتاج لجهد لمعرفة تفاصيلها ومخططات المستعمرة الإسرائيلية من خلالها، ومع ذلك لازالت الجهود المصرية نحو الوحدة الفلسطينية متعثرة، تصطدم بأنانية طرفي الانقسام، وتفرد كل منهما بما حوزته من سلطة، في رام الله وغزة، وهي سلطة لكليهما مستمدة من قبول سلطة المستعمرة الإسرائيلية ورضاها، وممنوحة للطرفين من كرم الاحتلال وحكومته الاستعمارية، ولا يُعقل أن العدو الإسرائيلي يُقدم التسهيلات المالية والموافقة لسلطتي رام الله وغزة لسواد عيونهما إن لم تكن له مصلحة كما قال رئيس حكومة المستعمرة نتنياهو علناً في اجتماع مؤتمر حزبه الليكود، أنه يسمح بنقل وتمرير أموال الرواتب للشهر الرابع على التوالي من قطر نحو قطاع غزة، بهدف بقاء الانقسام وتعزيز الفصل بين الطرفين .
برامج العدو الإسرائيلي مكشوفة عارية، ومع ذلك الانقسام متواصل، كل منهما يحفظ خندقه وامتيازاته وسلطته، وها هم أهل غزة ينتفضون ضد السلطة المحلية التي تمثلها حماس وتقودها، وسلطة رام الله مخطوفة لا حول لها بسبب هيمنة الاحتلال واستمراريته وعدم انكفائه ، فهل من وقفة تُعيد الأمل وترسم الطريق نحو القدس وفلسطين ؟؟ .