الحسين وهوية جغرافيا المكان

نبض البلد -
د. حازم قشوع
 
اختار الحسين ولي العهد الطفيلة الهاشمية لإطلاق برنامج هوية جغرافية المكان بارثه التاريخي ودلالاته الوطنية وعمقه الإنساني الموصول، ليبقى عبر موثوقيته يشكل شاهدا للزمان للأردن ورسالته، وهو البرنامج الذي من شأنه أن يستحضر ثقافة الماضى بعنوان الحاضر من أجل صياغة برنامج الثقافة الوطنية وفق أسس تدمج ما بين الإرث التاريخي والموروث الوطني، عبر علاقة تؤصل هوية الأرض والإنسان، وهى العلاقة التى تدمج الوطن بنظامه ربط مقدسة ليكون قادر على صياغة الهوية الاردنية عامل على ترسيخ قيم المواطنة وفق نماذج عمل ثقافية تجمع ما بين إرث المكان وثقافة الإنسان.
 
ولعل الطفيلة الهاشمية التي شهدت إطلاق هذا المحتوى الثقافي جاء اختيارها ليجسد هذا المكنون ويبين نهج المضمون الذى يقف عليه هذا البرنامج الوطني الطموح، الذى تبينه الطفيلة وهي تمزج بين أثرها التاريخي العميق الذى سطرت عناوينه مكانتها بالدوله النبطيه التى غدت بدلالة اسمها ذي تيفلوس او توفل تشكل أرض الخصوبة مدينة الزيت والعنب بدلالة الفخار من الصلصال ومعنى مدينة ام الكروم لغزارة وتنوع ناتجها، وهذا ما جعلها تعتبر على مر التاريخ مدينة المخزون الاستراتيجي للغذاء حيث تروى أشجارها وكرومها من الندى أي من ماء السماء، كما جعل من الطفيلة ومن حيث بصيرة التي تشكل مدخل لحاضره بيت المقدس عبر بوابة الكرك، كما وقفت موقفا تاريخيا مع الثورة العربية الكبرى فى الحرب العالميه الكبرى عندما انتفضت للعرب عبر ثورتهم المجيدة ضد التتريك والاضطهاد ومن اجل اعلاء رسالة الضاد وبيانها، وهو ما جعل من الامير الحسين يطلق برنامج "رسالة الأمة في وطن" من منطلق طفيله الأنباط والعرب بهاشميه المكان والنهج.
 
الطفيلة التي كانت تقع بإرثها الممتد عبر دولة الأنباط العربية التي كانت أول دولة نطقت بالضاد ووثقت العربية بالاراميه، وهذا ما جعل من دولة الأنباط ضاربة بالتاريخ منذ نشأتها وعناوين تأسيسها وبدلالة أثرها المعرفي والقيمي الذي قدمته للإنسانية، حيث جاء اسمها من نابط ابن سيدنا اسماعيل الذى جعل قومها موحدين ينطقون العربيه ويكتبونها بالاراميه، وهذا ما جعلها تكتب بالتاريخ صفحة منيره فى أوج حكم الحارث الرابع الذى راح يجعل منها واحدة من أعظم الدول في التاريخ القديم عندما أضافت للبشرية علم استنباط المياه الجوفية وأصول منحوتات الهندسة المعمارية، و تمتد جغرافيتها السياسية من الفرات السوري شمالا الى النيل المصرى شرقا، و من مدائن صالح حيث الحِجر إلى غزة هاشم غربا، وهذا ما جعل من دولة الأنباط ترسم صوره الإرادة في التاريخ وتبين قدره الاراده العربيه على بيان إضافات نوعية فى العلوم الهندسية كما فى العلوم الجيولوجية عبر ميزان التعرية والطبقات الرسوبية التي بقيت خير شاهد على التاريخ بعد قيامة نوح بدلالة عاد، وعلوم ذو القرنين فى اليمن الى اصاله الأنباط ما بعد ثمود في عاصمتهم البتراء.
 
ولعل الأنباط الذين شكلوا قبل الميلاد أول خطوط تجارية بين الحضارات الانسانية ما بين الآشوريين في العراق وشمال الفرات بالشام بعاصمتهم "الموصل"، والهيكسوس بشرق النيل بعاصمتهم "طيبه"،ما جعل من خطوط وصلهم عناوين اتصال للتبادل الثقافي كما التجارى، وهذا ما ميزها عن غيرها من الدول، الأمر الذى جعلهم يقدمون لحركة التجارة فى الشرق الاوسط حالة الأمان عبر تقديمهم للقوافل الأمن والسلام كما تقدم لهم الدعم المعيشي واللوجستي فى الحل والترحال، الأمر الذى جعل من البتراء ترسم عنوان صخرة الشموخ فى الخزنه وعنوان الإرادة وبوابة العلوم الهندسية بمنحوتات صخورها الصفراء لتبقى شاهدة لحضارة أمة جاءت بعد قيامة سفينة نوح برسالة معرفية للإنسانية جمعاء، تتوارث فيها الحضارات الإنسانية وتحتضن في ربوعها الأديان السماوية وتنطلق من أكنافها بشائر الخير الموصلة للبشرية والتى مازالت معالمها تشهد بشهادة كاتب التاريخ لمنجزات الإنسان عبر جغرافيا المكان.
 
وهذا ما جعل من مكاور تشهد أيضا على قصة النبي يحيى ويشهد نهر الأردن على تعميد المسيح وتشهد الكرك على ولاده فرسان الهيكل وإضاءة الطريق الموصل من قلعة الكرك الى القدس، وتشهد البلقاء على ولادة النقد الذى كان يدق فى فيلادلفيا بعنوان مدينه الامان الى النقاط الحدودية حيث سلط الحد الفحيص وماحص، كما تشهد مدرجات جرش وأنفاق المدن العشر الموصلة إلى ارابيلا وام قيس على إرثها الكامن، وكما تشهد قصور الازرق على دولة الأمويين والحميمة على الدولة العباسية مؤته واليرموك وعجلون على فتوحات بيت المقدس، ويشهد الهاشميين الذي تستظل الاردن بظلهم على رسالة العروبة التي حافظت على موروث الأديان عبر ستاتيكو الأديان في القدس، كما أكدوا على مكانة التعايش والعيش المشترك، وهذا ما جعل من الهاشميين كما الأردن يشهدون على الارث الانساني ويعملون من أجل صيانة الإنسان والأرض، كما سيبقى الأردن يشهد ترابه كما يشهد نظامه الهاشمي على مكانة الاردن بكتابة التاريخ وبيان رسالة الأمة من اجل اعمار الارض وسلامة أجوائها، و هى الرساله التى راح يرسيها الحسين عبر إطلاق برنامج هوية جغرافية المكان بالدلالة والمضمون.
 
وهو البرنامج الذي يمكن صياغته عبر برنامج ثقافي ليكون جزء من المبادرات الملكية، لتشارك فيه الدولة بكل مؤسساتها كما وزارة الادارة المحلية كونه يندرج في إطار المخطط الشمولي للمحافظات، الذي يدرس طبوغرافية الأرض و الجغرافيا المناخية و الديموغرافيا السكانية وفق مضمون يجمع المجتمع والارض عبر هوية المكان ومسيرة الإنسان، كونه يعتبر الأساس في بناء مضمون الثقافة الوطنية عبر تسليط الضوء على المنجزات الوطنية عبر مؤسساتها التي قادت المنجز الوطني وعملت ليحمل الأردن رسالة الأمة في وطن.