ما بعد الطبطبائي: تدشين مرحلة "نزع السلاح القسري" في لبنان

نبض البلد -

محسن الشوبكي

نفذ الكيان الصهيوني (٢٣/ تشرين ثاني/ ٢٠٢٥)، عملية اغتيال استهدفت (هيثم علي طبطبائي، رئيس هيئة أركان حزب الله)، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي تشكل استهدافاً جوهرياً للمشروع العسكري للحزب وقدرته على إعادة بناء صفوفه بعد الحرب الاخيره ، وكذلك حملت العملية رسائل متعددة المستويات.

(الطبطبائي) اعاد هيكلة قوات الرضوان وكان مسؤول ملف التسليح الإيراني عبر سوريا، وحلقة الوصل بين الحرس الثوري واليمن، واغتياله يعني إبطاء إعادة بناء الحزب عسكرياً وأمنياً، وإعادة ربط ساحتي لبنان واليمن مع الحرس الثوري.

كما أن تنفيذ العملية داخل أكثر المناطق تحصيناً في الضاحية، يُظهر أن الكيان الصهيوني لا زال يستغل الاختراقات الاستخباراتية البشرية والتكنولوجية مع الحزب في معقله. هذه الضربة لا تهدف فقط لقتل قيادي، بل هي حرب نفسية واستخباراتية لزعزعة ثقة القيادات الوسطى بفعالية إجراءاتهم الأمنية، مما يفرض عليهم تجميد اتخاذ القرار ويعيق جهود إعادة بناء القيادة والعمليات، مع عدم استبعاد مشاركة استخباراتية أمريكية في تحديد الموقع وتأكيد الهدف.

يمثل اغتيال الطبطبائي، كونه حلقة الوصل الاستراتيجية، رسالة تصعيد مباشرة لطهران بأن "قطع الأذرع" الحساسة سيستمر. فالعملية تهدف إلى عرقلة المشروع الإيراني لإعادة بناء قدرات الحزب اللوجستية والعسكرية بعد حرب ٢٠٢٤-٢٠٢٥، وتأكيد على قدرة الكيان الصهيوني على الوصول إلى شبكات الإمداد الرئيسية. هذا التصعيد يرفع من كلفة الاعتماد الإيراني على وكلائها، خاصة مع اقتراب استحقاقات النووي الإيراني، حيث اعطت واشنطن الكيان الصهيوني ضوءاً أخضراً واسعاً لاستكمال استهداف القيادات.

من الناحية السياسية، جاءت الضربة بعد ٤٨ ساعة فقط من إعلان الحكومة اللبنانية عن "تفاهمات متقدمة" مع الجانب الأمريكي حول تطبيق القرار ١٧٠١ ونزع سلاح الجنوب. اختيار هذا التوقيت يحمل رسالة سلبية للحكومة اللبنانية بعدم الثقة بإجراءاتها لتنفيذ الاتفاق. هذه الضربة تضع رئيس الحكومة نواف سلام والجيش اللبناني أمام ضغط البدء بعملية نزع سلاح فعلية في الجنوب، أو مواجهة موجة جديدة من العمليات الصهيونية التي لن تتوقف عند الطبطبائي.

ويواجه حزب الله الآن معادلة قاسية جداً. على عكس القيادة السابقة التي تميزت بقدرتها على اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة بالرد، فإن القيادة الحالية تفتقر إلى القيادة الميدانية المناسبة والمخزون الصاروخي الكافي والدعم الشعبي الواسع بسبب الانهيار الاقتصادي. بالتالي، فإن الرد العسكري المباشر سيفتح جبهة لا يملك الحزب القدرة على تحملها، بينما سيُفسر الصمت الكامل كضعف استراتيجي غير مسبوق. الخيار الأرجح هو "الرد المؤجل والمُنخفض الحدة" (ربما استهداف دورية حدودية بعد أسابيع)، مع التركيز على إعادة بناء القيادة تحت الأرض وتجنيد جيل جديد.

في الخلاصة، اغتيال (الطبطبائي) ليس مجرد عملية تكتيكية، بل بداية مرحلة جديدة عنوانها: "فرض نزع السلاح بالقوة". السؤال الآن ليس "هل ستستمر العمليات؟"، بل "من هو التالي في القائمة؟"، وهل ستضطر الحكومة اللبنانية لمواجهة حزب الله داخلياً لتجنب حرب شاملة جديدة. والأسابيع القليلة القادمة ستحدد ما إذا كان لبنان سيذهب نحو نزع سلاح إجباري تحت الضغط الخارجي، أو نحو انفجار داخلي قد يُعيد خلط كل الأوراق من جديد.