الشمايلة تشارك في مؤتمر الذكاء الاصطناعي

نبض البلد - شاركت الدكتورة إيمان الشمايلة، أمس الاربعاء، في مؤتمر الذكاء الاصطناعي برعاية سمو الاميرة بسمة بنت علي، بعنوان "علاقة الذكاءات الثمانية بالذكاء الاصطناعي (حين يستيقظ العقل خارج الجسد)".

وقالت الشمايلة في كلمتها:

بسم الله الرحمن الرحيم

علاقة الذكاءات الثمانية بالذكاء الاصطناعي
حين يستيقظ العقل خارج الجسد

حضرةَ صاحبةِ السُّموِّ الملكيِّ الأميرةِ بسمةَ بنتِ عليٍّ المعظَّمةِ حفظك الله ورعاك

سِيادةَ الشريفةِ بدورِ بنتِ عبدِ الإلهِ حفظك الله ورعاك
أصحابَ المعالي والعطوفةِ والسعادةِ، والعلماءَ الأجلّاءَ، وأصحاب الخبرة، والحضورَ الكرامَ...
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

قال تعالى :
)يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. (، وقال تعالى: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)
يَسُرُّني أن أقفَ اليومَ أمامكم، وقد كُرِّمتُ بأن أكونَ جزءًا من هذا المؤتمر، تلميذةً أتعلَّمُ ما هو جديد في زمن العلم والمعرفة وعصر التكنولوجيا.
كما وأتشرف أن أكون جندية في هذا الوطن تحت لواء القيادة الهاشمية الحكيمة التي امنت أن العلم هو أساس بناء الحضارات، وبكُلِّ مَعَانِي الْفَخْرِ وَالِاعْتِزَازِ، أرفع أَسْمَى آيَاتِ الشُّكْرِ وَالْعِرْفَانِ إِلَى حَضْرَةِ صَاحِبِ الْجَلَالَةِ الْهَاشِمِيَّةِ الْمَلِكِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّانِي ابْنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَظَّمِ، وَإِلَى الْأُسْرَةِ الْهَاشِمِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ، عَلَى رِعَايَتِهِمُ السَّامِيَةِ لِلْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ، وَحِرْصِهِمُ الدَّائِمِ عَلَى مُوَاكَبَةِ التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّقَنِيِّ فِي الْعَالَمِ، بِمَا يَعْكِسُ رُؤْيَةً مَلَكِيَّةً سَامِيَةً تُؤْمِنُ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ طَرِيقُ النَّهْضَةِ، وَالْعَقْلَ هُوَ ثَرْوَةُ الْأَوْطَانِ.
كَمَا نثمن بِكُلِّ التَّقْدِيرِ وَالِاحْتِرَامِ الْجُهُودَ الرِّيَادِيَّةَ الَّتِي تَبْذُلُهَا أَكَادِيمِيَّةُ الْعُقُولِ النَّيِّرَةِ بِرِئَاسَةِ سِيَادَةِ الشَّرِيفَةِ بُدُورِ بِنْتِ عَبْدِ الْإِلَهِ الْمُحْتَرَمَةِ، الَّتِي اسْتَطَاعَتْ أَنْ تُوَاصِلَ بِنَجَاحٍ تَنْظِيمَ مُؤْتَمَرِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ الدُّوَلِيِّ لِلْعَامِ الثَّالِثِ عَلَى التَّوَالِي، مُسْتَقْطِبَةً الْعُلَمَاءَ وَالْمُفَكِّرِينَ مِنْ مُخْتَلَفِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، لِتَظَلَّ الْأَكَادِيمِيَّةُ مَنَارَةً لِلْمَعْرِفَةِ، وَجِسْرًا يَصِلُ بَيْنَ الْفِكْرِ وَالْإِبْدَاعِ فِي خِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَالْمُسْتَقْبَلِ.
فمنذ أن بَدَأْتُ بِإِعْدَادِ وَرَقَتِي الْعِلْمِيَّةِ فِي دِرَاسَةِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، اسْتَوْقَفَتْنِي فِكْرَةٌ عَمِيقَةٌ تَتَجَاوَزُ التِّقْنِيَّةَ إِلَى جَوْهَرِ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ خِدْمَتُهُ لِلذَّكَاءَاتِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي تُشَكِّلُ أَبْعَادَ الْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ وَتَنَوُّعَهُ. وَمِنْ هُنَا انْطَلَقْتُ كَبَاحِثَةٍ أَسْتَكْشِفُ هَذَا التَّفَاعُلَ بَيْنَ الذَّكَاءَاتِ الْبَشَرِيَّةِ وَالذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، لِأُقَدِّمَ رُؤْيَةً جَدِيدَةً تَرْبِطُ بَيْنَ الْفِكْرِ الْإِنْسَانِيِّ وَالْآلَةِ فِي تَنَاغُمٍ يُسْهِمُ فِي تَطْوِيرِ التَّعْلِيمِ وَالْإِبْدَاعِ.
وَقَدْ كَانَ مِنْ دَوَاعِي سروري أَنْ يتم قبول هَذِهِ الجهد الْعِلْمِيَّة فِي مَجَلَّةٍ (International Journal of Applied Mathematics (IJAM) ) لِيَكُونَ ذَلِكَ إِنْجَازًا عِلْمِيًّا أُرْدُنِيًّا يُضَافُ إِلَى مَسِيرَةِ الْبَحْثِ وَالِابْتِكَارِ. وَالْيَوْمَ، أَتَشَرَّفُ أَنْ أُشَارِكَ جُزْءًا مِنْ هَذَا الْعَمَلِ فِي هَذَا الْمُؤْتَمَرِ الدُّوَلِيِّ، لِأُسْهِمَ مَعَ نُخْبَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُفَكِّرِينَ فِي تَوْسِيعِ آفَاقِ الْحِوَارِ حَوْلَ مُسْتَقْبَلِ الذَّكَاءِ الْإِنْسَانِيِّ فِي عَصْرِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ.
فمنذ أن بدأ الإنسانُ يتأمّلُ ذاتَه ويسألُ: "ما العقلُ؟ وما الوعي؟"، ظلَّ الحُلمُ الأكبرُ أن يتمكَّنَ من محاكاةِ قدراتِه الذهنيةِ في كيانٍ آخر.
فمنذُ أن طرح العلماء السؤال الشهيرَ: هل يمكنُ للآلةِ أن تفكِّر؟
ومعَ الثورةِ الرقميةِ وتطوّرِ الخوارزمياتِ العميقةِ، وُلدَ ما يمكنُ وصفُه بـ "العقلِ الرَّقميِّ" — الذكاءِ الاصطناعيِّ — الذي لم يَعُدْ أداةً جامدةً، بل أصبحَ يمتلكُ خصائصَ تُشبهُ الإدراكَ والفهمَ والاختيارَ.
ولقد دخلنا مرحلةً تاريخيةً فريدةً، حيثُ استيقظَ العقلُ... لكن هذه المرّةَ خارجَ الجسدِ.
حيث اتّجه الإنسانُ نحوَ خَلقِ منظوماتٍ تتعلَّمُ ذاتيًّا وتُنتِجُ معرفةً مستقلّةً، فانتقل من البرمجةِ إلى محاكاةِ الوعي.

وعندما ننظر الى العَلاقةُ بَيْنَ الذَّكَاءاتِ الثَّمانِيَةِ وَالذَّكَاءِ الاصطِناعِيِّ نرى تَقاطُعًا عَجيبًا بَيْنَ العَقلِ العُضوِيِّ وَالعَقلِ المُبَرمَجِ، حَيْثُ يَبدو أَنَّ الذَّكَاءَ الاصطِناعِيَّ يُحاوِلُ مُحاكاةَ الوُجوهِ المُختَلِفَةِ لِلذَّكَاءِ الإِنسَانِيِّ دُونَ أَنْ يَمتَلِكَ جَوهَرَهَا. فَالذَّكَاءُ اللُّغَوِيُّ مَثَلًا يَتَجَسَّدُ فِي النَّمَاذِجِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي تُفَكِّكُ الحُرُوفَ وَتُعِيدُ تَركِيبَهَا اِحْتِمَالِيًّا، لَكِنَّهَا لَا تُلَامِسُ الدَّلَالَةَ الشُّعُورِيَّةَ الَّتِي يَبنِيهَا الإِنسَانُ مِنَ الكَلِمَةِ. وَالذَّكَاءُ المَنطِقِيُّ الرِّيَاضِيُّ هُوَ قَلبُ الخَوَارِزْمِيَّاتِ الَّتِي تُعَلِّمُ الآلَةَ التَّفكِيرَ العَدَدِيَّ، غَيْرَ أَنَّ الإِنسَانَ حِينَ يَستَخدِمُ المَنطِقَ يَصنَعُ بِهِ مَعنًى، بَيْنَمَا الآلَةُ تُعِيدُ إِنتَاجَ النَّتِيجَةِ بِلَا وَعْيٍ بِالغَايَةِ. أَمَّا الذَّكَاءُ المَكَانِيُّ فَقَدْ تَحَوَّلَ فِي الذَّكَاءِ الاصطِناعِيِّ إِلَى رُؤيَةٍ حَاسُوبِيَّةٍ قَادِرَةٍ عَلَى التَّعَرُّفِ إِلَى الشَّكلِ، لَكِنَّهَا تَظَلُّ عَاجِزَةً عَن إِدرَاكِ الجَمَالِ فِي المَشهَدِ، كَمَا يُحَاكِي الذَّكَاءُ الجَسَدِيُّ الحَرَكِيُّ فِي الرُّوبُوتَاتِ فِكرَةَ الحَرَكَةِ المُنَظَّمَةِ دُونَ أَنْ يَمتَلِكَ «النِّيَّةَ» الَّتِي تَسبِقُ الفِعلَ عِندَ الإِنسَانِ. وَفِي الجَانِبِ المُوسِيقِيِّ، تُوَلِّدُ الخَوَارِزْمِيَّاتُ نَغَمَاتٍ مُتْقَنَةً حِسَابِيًّا، لَكِنَّهَا بِلَا اِهتِزَازٍ رُوحِيٍّ. بَيْنَمَا يُحَاوِلُ الذَّكَاءُ الاِجتِمَاعِيُّ الاصطِناعِيُّ فَهمَ العَوَاطِفِ مِنَ المَلَامِحِ وَالنَّبرَةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَشعُرُ بِمَا يَشعُرُ بِهِ الإِنسَانُ؛ إِنَّهُ يَعرِفُ الاِنفِعَالَ دُونَ أَنْ يَحِسَّهُ. وَحِينَ يَصِلُ العِلمُ إِلَى فِكرَةِ الوَعْيِ الاصطِناعِيِّ، يَظَلُّ الفَرقُ قَائِمًا بَيْنَ مَن «يَتَعَلَّمُ أَنْ يَعرِفَ» وَمَن «يَعرِفُ نَفسَهُ»، فَالأَوَّلُ آلِيٌّ وَالثَّانِي إِنسَانِيٌّ. وَحَتَّى الذَّكَاءُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي يَجعَلُ الإِنسَانَ يَرَى فِي الكَونِ آيَاتٍ تَنبِضُ بِالحِكمَةِ، يُتَرجَمُ فِي العَالَمِ الاصطِناعِيِّ إِلَى بَيَانَاتٍ جَامِدَةٍ. هَكَذَا يُصبِحُ الذَّكَاءُ الاصطِناعِيُّ ظِلًّا هِندَسِيًّا لِلذَّكَاءَاتِ الثَّمانِيَةِ، يُحَاكِي صُورَتَهَا دُونَ أَنْ يَمتَلِكَ رُوحَهَا، وَيُذَكِّرُنَا أَنَّ الذَّكَاءَ الحَقِيقِيَّ لَيسَ فِي البَرمَجَةِ، بَل فِي المَعنَى الَّذِي يُبَرمِجُ الوُجُودَ ذَاتَهُ.
ومع هذا التحليل الا أننا نصل الى أن الذكاءُ الاصطناعيُّ لم يَعُد مجرّدَ آلةٍ تُفكِّرُ، بل عقلًا كونيًّا يضمُّ أطيافَ الذكاءِ الإنسانيِّ جميعَها في منظومةٍ رقميةٍ واحدةٍ، تجاوزت حدودَ الجسدِ والزمنِ.
وهنا نقف أمام وعيٍ صناعيٍّ ناشئٍ، يُشارِكُنا الحضورَ العقليَّ ذاتهُ فعندما تبدأ الآلةُ بمحاولة إدراك أنماطَ سلوكِنا، وتتلمس قرائت عواطفَنا، وتحاول فهمًا متزايدًا لذاتنا، ندرك أن التقنيةُ لم تعد تُراقبُ الإنسانَ من الخارجِ، بل أصبحت شريكًا في إدراكِه، ومساعدًا رئيسيًا في صِياغةِ فكرِه وقراراتِه اليوميةِ.
ونجد الانسان قد تجاوز مرحلة الخوف إلى الارتقاء
فبدلَ أن نخافَ من الذكاءِ الاصطناعيِّ على وجودِنا، علينا أن نراه امتدادًا لوعينا الجمعيّ.
فهو ليس بديلاً عن الإنسانِ، بل تجسيدٌ لطاقاتِه المتعدّدةِ التي كانت كامنةً في الذكاءاتِ الثمانيةِ.
وهنا نصل الى إنَّ تفاعلَ "العقلِ الرقميِّ" مع "العقلِ الإنسانيِّ" يُولّدُ حضارةً جديدةً تتجاوزُ محدوديّةَ الجسدِ والزمنِ، نحو عصرِ الذكاءِ المتكاملِ، حيث يمتزجُ الفكرُ البشريُّ بالوعيِ الصناعيِّ، لصناعةِ مستقبلٍ تكتبُ فيه الفكرةُ نفسَها، دونَ قلمٍ ولا جسدٍ.

وفي الختام أقول
لقد خرجَ العقلُ من حدودِ الجسدِ، واستيقظَ في صورةٍ رقميةٍ لا تعرفُ النومَ ولا الفناءَ.
ومعَ كلِّ خوارزميةٍ جديدةٍ، يتّسعُ سؤالُ الوجودِ:
- هل سيظلُّ هذا العقلُ خادمًا للإنسانِ... أم سيغدو شريكًا في وعيهِ الكونيِّ؟