قرار بلا صاحب أرض… لماذا لا يصنع القرار 2803 سلامًا ولا يفتح أفقًا؟

نبض البلد - محسن الشوبكي
لم يكن تبنّي القرار 2803 في مجلس الأمن لحظة مفصلية كما حاولت بعض الدول أن تصوّره. فبينما جرى تقديمه على أنه خطوة نحو تهدئة مستدامة ومسار سياسي جديد، تكشف الوقائع أن القرار أقرب إلى إدارة للأزمة منه إلى حلّ لها، وأن الأطراف الأقوى هي التي تحدد اتجاهه، لا أصحاب الأرض الذين يفترض أن القرار صادر باسمهم.

جاء القرار بعد أسابيع من حراك دبلوماسي أميركي تزامن مع تصعيد عسكري في غزة، فبدت صياغته نتيجة ترتيبات سياسية مقصودة، لا استجابة لحاجة فعلية على الأرض. ورغم الترحيب الذي صدر عن بعض الأطراف العربية، كان هذا الترحيب أقرب إلى غطاء دبلوماسي لتسهيل تبني القرار على مستوى مجلس الأمن، وليس موافقة فعلية على آليات التنفيذ أو على البنود الجوهرية المتعلقة بحق الفلسطينيين. فلم تُظهر المواقف العربية أي التزام بالتنفيذ العملي للقرار، بل اقتصرت على دعم شكله العام لتسهيل تمريره دوليًا.

يدعو القرار إلى وقف لإطلاق النار وإدخال مساعدات وتشكيل قوة دولية وفتح أفق سياسي لتقرير المصير، لكن هذه العناوين العامة تخلو من التفاصيل الضرورية لتحويل النص إلى أداة فعلية. فالصلاحيات غامضة، وآليات المحاسبة غائبة، والضمانات غير موجودة، والنقاط الجوهرية المتعلقة بالحصار والاحتلال والحقوق الوطنية لم تُذكر بوضوح. والفراغ في النص ليس مجرد نقص بل مقصود، لأنه يمنح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني مساحة واسعة للتفسير، ويجعل تنفيذ القرار مرهونًا بمن يملك القوة على الأرض لا من يستحق القرار بحكم الحق والتاريخ والواقع.

على صعيد حقوق الشعوب، شكّل القرار 2803 ثغرة تاريخية بالنسبة للأمم المتحدة التي اعترفت دائمًا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. إذ ركّز القرار على أمن الكيان الصهيوني وضماناته، وترك الحقوق الفلسطينية والحقوق الإنسانية والتاريخية بلا معالجة واضحة. هذا الانحياز البنيوي يجعل القرار ناقصًا من منظور حقوقي، إذ أعطى الأولوية للأمن والسيطرة على الأرض لصالح الاحتلال، بينما تُركت المطالب الأساسية للفلسطينيين—من الحصار وحق العودة والقدس والسيادة—على الهامش، ما يضعف أي مسار سياسي مستقبلي.

وتجلّى هذا الخلل فورًا بعد صدور القرار، إذ صعّد الكيان الصهيوني عملياته في غزة، ووسّع نطاق القصف إلى جنوب لبنان وريف دمشق، وزار نتنياهو وحكومته الجنوب السوري في رسالة واضحة بأن القرار لا يقيّده، وأن الميدان سيبقى المرجعية الوحيدة لمواقفه. وهكذا بدا القرار هشًّا من لحظته الأولى، إذ لم يوقف انتهاكًا، ولم يضع حدًا للتصعيد، ولم يمنع فرض وقائع جديدة.

الأخطر أن القرار يتحدث عن تقرير المصير، فيما يُستبعد الشعب الفلسطيني من أي دور حقيقي في تقريره. فحين تُترك صياغة المستقبل بيد القوى الدولية والاحتلال، يتحوّل القرار إلى وصاية سياسية لا تعالج جذور الصراع، بل تعيد إنتاجه بشكل مختلف. ولا يمكن لأي قرار يُصاغ دون حضور الفلسطينيين، أو يتجاهل شروطهم وحقوقهم الأساسية، أن يصبح إطارًا صالحًا لتسوية عادلة أو مسارًا يؤدي إلى إنهاء الاحتلال والحصار.

إن القرار 2803، بصيغته الحالية، لا يصنع سلامًا ولا يفتح أفقًا. هو خطوة تُضاف إلى سلسلة طويلة من القرارات التي تبدو على الورق أكثر مما هي على الأرض. وسيظل كذلك ما لم يُبنَ أي مسار سياسي على حقوق الشعب الفلسطيني أولًا، وما لم يخضع الكيان الصهيوني لإطار ملزم لا يستطيع التحلل منه. فالقضايا المصيرية لا تُدار بنصوص فضفاضة، بل بإرادة أصحاب الحق وقدرتهم على فرض حضورهم في أي عملية تحدد مستقبلهم.