حساسية ملف الاستثمار

نبض البلد -

حاتم النعيمات

يُعتبر رأس المال الوطني من أهم أركان اقتصاد أي دولة في العالم، إذ تتجاوز فوائد نموه وتطوره الأرقام والمؤشرات الاقتصادية إلى مفهوم السيادة والاكتفاء الذاتي، لذلك، عند الحديث عن جذب الاستثمارات لا بد من التركيز على الجزء المحلي منها؛ فالاستثمار الخارجي مهم وضروري لكنه يبقى خارجي ومشروط بالظروف والتسهيلات، أما الاستثمار الوطني فهو شريك في مسؤولية بناء الدولة والتعامل مع ظروفها.

رئيس الوزراء أكد في تصريحات رسمية على جدية الحكومة وعدم تساهلها في ضبط العلاقة بين المستثمر والمسؤول، بمعنى أنها الضامن للاتزان في هذه العلاقة بحيث لا يتجاوز طرف على آخر. حديث الرئيس جاء بعد أن "نُسبت" تصريحات لأحد كبار المستثمرين المحليين شكى فيها من مسؤولين يحاولون الضغط عليه للحصول على خدمات خاصة.



ملف الاستثمار حساس جدًا لأن الأردن محاط بدول لديها بيئات استثمارية منافسة، وأسهل ما يمكن أن يحدث هو هجرة الاستثمارات إلى تلك الدول التي تقدم تسهيلات قد لا نستطيع تقديمها هنا بموجب ظروفنا. لذلك، فإن حل أي نزاع بين المستثمر والسياسي لا بد أن يكون في ساحة القانون وليس الإعلام؛ فالاستثمار بشقيه المحلي والخارجي قد يجبن أمام أي إشاعة حول البيئة الاستثمارية في البلاد، وبالأخص الاستثمارات الخارجية التي تملك حرية الاختيار بيننا وبين دول تنافسنا بشدة في هذا المجال مثل مصر وتركيا.

وللواقعية، فمن الطبيعي أن تظهر النزاعات التجارية بين الدولة وأي مستثمر، لكن من غير الطبيعي أن يكون ميدان النزاع هو الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بدلًا من استخدام القانون والقضاء بالرغم من توفر منظومة قانونية رصينة ومتينة يمكن من خلالها حل جميع الخلافات وبكافة المستويات.

الغريب أن تصريحات المستثمر ليس لها مصدر معتمد، ولم يصدر من أي جهة نفي أو إثبات لها حتى لحظة كتابة هذا المقال، ومع ذلك فإن الأغلبية تتعامل معها كحقيقة. والكارثة بدأت عندما تناقلت بعض المواقع الإخبارية التصريحات من دون أي تدقيق مهني، وبالاعتماد على ما تداولته صفحات التواصل الاجتماعي (!!). وهذا خلل آخر يطرح أسئلة كبيرة وعميقة عن إمكانية متابعة وضبط عملية إنتاج الأخبار برمتها.

المشكلة مركبة تتعلق بالثقة بالقانون، وبطريقة عمل جزء من الجسم الصحفي، وبقدرة متلقي المعلومة/ الخبر في الأردن على التحقق قبل إصدار حكمه "العلني" الذي يتم رصده من الخارج ويدخل في تقييمات من يخططون للاستثمار في الأردن، والقضية ليست مجرد نزاع بين مستثمر ومسؤول.

بدورها استدعت الحكومة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد واعتبرت أن ما يدور في الفضاء العام بمثابة إخطار لها، وأعتقد هنا أنها تريد أن تقول للجميع أن الهيئة هي المرجعية في جمع المعلومات عن أي قضية وليس أي جهة أخرى، وفي ذلك استدراك وتطمين للجميع بأننا لسنا دولة حديثة العهد بمثل هذه القضايا وأن البيئة الاستثمارية الأردنية آمنة وعادلة ولن تكون غير ذلك.