موازنة الدولة الأردنية 2026: الأرقام كسياسة والقرار كسيادة

نبض البلد -

د. خالد العاص

في وقت يزداد فيه ضغط الأزمات الاقتصادية والإقليمية، تبرز موازنة الأردن لعام 2026 ليس كوثيقة مالية تقليدية، بل كاختبار حقيقي لقدرة الدولة على إدارة الأزمة وتحويل الأرقام إلى أدوات حماية وطنية واستقرار اجتماعي. فالأردن، الذي يواجه محدودية الموارد وارتفاع الدين العام، يقف أمام سؤال جوهري: كيف توازن الدولة بين التزاماتها الداخلية وحماية أمنها المالي والسياسي، وبين دورها الإقليمي وواجبها تجاه مواطنيها؟

العجز المتوقع لعام 2026 يصل إلى نحو 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يسجّل النمو الاقتصادي المتوقع نحو 3%. على الورق تبدو هذه الأرقام مجرد بيانات، لكن خلفها واقع سياسي معقد: فكل دين عام، وكل دعم موجه للقطاع العام، يعكس قرارًا سياديًا يتجاوز الحسابات المالية البحتة إلى حسابات الثقة العامة والرصيد الاجتماعي للدولة. فالضغط على الموارد يُجبر الحكومة على اتخاذ خيارات استراتيجية دقيقة بين الاستثمار في المستقبل وخدمة الالتزامات اليومية.

النفقات الجارية لا تزال تهيمن على الموازنة، بينما تبقى المشاريع الاستثمارية محدودة، وهو ما يوضح صعوبة تحويل الإنفاق إلى نمو ملموس في الواقع الاقتصادي. وهنا تكمن المخاطرة الكبرى: استمرار الاعتماد على التمويل الخارجي قد يقيد القرار الوطني ويضعف قدرة الدولة على اتخاذ خطوات جريئة في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن "رؤية التحديث الاقتصادي" تمثل الإطار الأكثر شمولًا لمعالجة هذه المعضلات، إذ تسعى إلى إعادة بناء هيكل الاقتصاد الوطني عبر تحفيز الاستثمار، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتمكين الشباب، وتحديث الإدارة العامة لتصبح أكثر كفاءة ومساءلة.

فموازنة 2026 ليست مجرد توزيع أرقام، بل يجب أن تكون امتداد تطبيقي لرؤية التحديث الاقتصادي التي تهدف إلى تحويل الموارد المحدودة إلى فرص تنموية واقعية. الإصلاحات الهيكلية في القطاع العام، والتحول نحو اقتصاد منتج يقوم على الابتكار والمشروعات الصغيرة، ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة استراتيجية لتحصين الاقتصاد الوطني من الهشاشة المالية والاعتماد الخارجي.

من أبرز التحديات التي تهدد نجاح الموازنة والرؤية معًا: ارتفاع خدمة الدين العام الذي يقلّص إمكانات الاستثمار، وضعف قاعدة الإيرادات الضريبية التي تتطلب إصلاحات جذرية تضمن العدالة والاستدامة المالية، إضافة إلى التذبذبات الإقليمية التي تؤثر في الصادرات والسياحة والاستثمار، وهي أعمدة رئيسية للنمو المستقبلي. غير أن الرؤية الاقتصادية تضع حلولًا تدريجية لهذه الإشكالات عبر بناء شراكات حقيقية مع القطاع الخاص وتعزيز كفاءة الإنفاق العام وربط المشاريع التنموية ببرامج إنتاجية واضحة الأثر.

في المحصلة، تكشف موازنة الأردن 2026 أن المال والسياسة وجهان لعملة واحدة، وأن رؤية التحديث الاقتصادي هي البوصلة التي تحاول الدولة عبرها تحويل الأرقام إلى قرارات سيادية، وتحويل الضغوط المالية إلى فرص بناء واستقرار. نجاح هذه الموازنة سيعني أن الأردن قادر على حماية مواطنيه واستقراره الداخلي، وامتلاك أدوات تأثير إقليمي قائمة على القوة الاقتصادية لا على الحاجة. فما بين موازنة 2026 ورؤية التحديث، يرسم الأردن خريطة طريق جديدة، يتقاطع فيها الاقتصاد بالسياسة، والواقعية بالطموح.