في الديمقراطية الأميركية

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

لا تتوقف الديمقراطية الأميركية عن إذهال ساكني العالم الثالث الذين لم يعتادوا مظاهر التعاقب على السلطة بكافة مستوياتها كما يحصل في الولايات المتحدة التي تُثبت إفرازاتها الانتخابية المتنوعة أن الديمقراطية فيها تجذرت للحد الذي أصبحت فيه التزاماً تدرك ضرورته كلاً من السلطة والمجتمع هناك، وأن المصالح العامة هي أولاً بصرف النظر عن هوية من سيتولى رعايتها عبر صندوق الانتخاب

هذا الالتزام الأميركي المتجذر بالديمقراطية وما يتصل بها من مفاهيم حضارية، خلقَ للولايات المتحدة دوراً بارزاً في كافة أقاليم العالم، فترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة وحماية الأقليات هي من الأجندة الأميركية التي يتم تطويع السياسة الخارجية لتنفيذها، سواء بأدوات القوة الناعمة أو الصلبة

لم تكن تلك الأجندة الخارجية لتتبلور على هذا النحو إلا لأنها انعكاس طبيعي للسياسة الداخلية الأميركية التي أتاحت لزهران ممداني الذي ينحدر من أصول هندية ويؤمن بالدين الإسلامي أن يفوز برئاسة بلدية نيويورك.

الأميركي الهندي المسلم زهران ممداني الذي أصبح رئيساً لبلدية نيويورك هو نتاج المنظومة السياسية الأميركية، وسيختار خدمتها حتى وإن كان له مواقف شخصية تتعارض مع التوجه العام لسياسة بلاده الخارجية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن الاحتفاء بفوزه في العالم الثالث لا معنى له، وهو امتداد للطقوس والمظاهر المعتاد عليها في بلدان كثيرة عندما تتولى فيها شخصية ما منصباً، سواء كان مهماً أم لا.

يحطّم تولي هذا الهندي المسلم منصب العمدة كافة النظريات المتداولة في العالم الثالث حول الطبيعة الإقصائية للنظام السياسي الأميركي، ويكشف عن حقيقة تجذّر الديمقراطية في الولايات المتحدة وانسجامها مع طبيعة المجتمع الأميركي، وهذا ما يُفسّر سبب نجاح الديمقراطية في الولايات المتحدة وفشلها في دول أخرى، فالنموذج الديمقراطي الذي قدمته الولايات المتحدة لا يمكن استنساخه كما هو وفرضه على أي دولة تحاول أن تشق طريقها في هذا المجال؛ لأن لكل دولة خصوصية تختلف عن الأخرى ولا يمكن وضعها في قوالب سياسية أو فكرة جاهزة دون مراعاة الفروقات فيما بينها أو أن يتم تكييفها مع طبيعتها السياسية والاجتماعية، فالديمقراطية فلسفة حكم تتطلب وعي جمعي متصالح معها، وبيئة حاضنة لها، لا يمكن اختزالها في آليات انتخابية أو هياكل حزبية، فهذه شكليات تحتاج إلى الجوهر الذي يمنحها القيمة والضرورة في الحياة السياسية.