نبض البلد - بقلم: هاني الدباس
عضو مجلس ادارة جمعية الفنادق الأردنية
الدولة ليست مؤسسة تُدار، بل فكرة تتبلور وتكبر .
هي وعيٌ متراكم، وإرادةٌ ، وقرارٌ يختصر المسافات بين الممكن والمستحيل.
حين تختار الدولة أن تفكّر كبيراً، فذلك ليس ترفاً ولا مجازفة، بل إيمانٌ بأن الأمم لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على أن تحلم وتحقّق.
اليوم، يقف الأردن على أعتاب مرحلة مختلفة ، منطلقها تفكيرٌ استراتيجي بحجم الوطن، تتجسد في مشاريع وطنية كبرى لا تمثل مجرد استثمارات مالية، بل إعادة صياغة لدور الدولة ومكانتها في الإقليم.
المشاريع التي تتجاوز قيمتها عشرة مليارات دولار والمقرر انطلاقها عام 2026 ليست مجرد بنى تحتية، بل ركائز سيادة وطنية واقتصادية ، إنها إعلانٌ عن دخول الأردن عصر الاقتصاد المتكامل، القائم على الكفاءة والربط الإقليمي والتنافسية العالمية.
في طليعة هذه المشاريع، يأتي الناقل الوطني للمياه، وهو أكثر من مشروع هندسي؛ إنه بيان سيادة يكرّس حق الدولة في تأمين مواردها الحيوية بعيداً عن الارتهان والتبعية، مشروعٌ يروي حاجاتنا الاستراتيجية ويُنعش الثقة في قدرة الدولة على تحويل الندرة إلى طاقة حياة.
وفي الاتجاه الآخر، تمتد السكك الحديدية من عمّان إلى العقبة كخطوة أولى نحو مشروع لوجستي عملاق ، فهذا الطريق ليس فقط لنقل البضائع، بل لنقل فكرة الدولة الحديثة: دولة تربط موانئها بمدنها، وتربط اقتصادها بالعالم، وتؤسس لبنية تحتية تُعيد تشكيل ملامح التنمية الوطنية ، هي سكة حديد تقود اقتصادنا نحو المستقبل، حيث تتحول الحركة إلى حياة، والربط إلى نهضة.
أما العقبة، فليست مجرد ميناء ولا مدينة ساحلية، بل منصة وطنية للانفتاح على العالم.
الدولة اليوم تعيد رسم دور العقبة كمركز حرّ منافس إقليمياً، لتصبح محوراً لجذب الاستثمار والسياحة والتجارة، وبوابة حقيقية للاقتصاد الأردني الجديد.
يشي هذا المشهد بفكر دولة مؤسسات تعرف كيف تخطّط وتوازن وتبني ، فالدولة التي تفكر بهذا العمق لا تبحث عن إنجاز لحظي، بل باستمرارية في التنمية وثبات في الاتجاه.
حين تُفكّر الدولة بحجم الوطن، فإنها ترسل جملة رسائل مفادها
أن الثقة ليست شعاراً، بل سياسة
وأن التنمية ليست وعوداً، بل مسار حياة.
وعلينا ان ندرك ان الاردن لا يُدار بالأزمات، بل يُبنى بالإرادة والرؤية.
هكذا تتصرّف الدول العريقة ،
تبني صمتها بالعمل، وتُثبت وجودها بالإنجاز، وتكتب مستقبلها على سكة التاريخ لا في صفحات الأخبار.
الأردن اليوم لا يحلم فقط بمستقبل أفضل، بل ببناء تراكمي من الأفكار والرؤى والمشاريع الكبرى .
علينا جميعاً اليوم ان نفكر بحجم الوطن.