مظاهرات في أمريكا، هل سياسة إنهاء الحروب مستهدفة؟

نبض البلد -

حاتم النعيمات

من يراقب المشهد الأميركي اليوم، خصوصاً في ضوء التظاهرات التي خرجت تحت شعار (No Kings)، يدرك أن الصراع داخل الولايات المتحدة لم يعد مجرد خلاف سياسي بين اليمين واليسار الليبرالي، بل هو وضع ذروة لمنحنى شد بدأ يصعد منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة عام 2017، أي أن الصراع قد يطال التفاصيل الدستورية المرتبطة بمنصب الرئيس، وربما شكل الدولة نفسها.

الحراك الذي قادته منظمة "مشروع غير القابل للتقسيم" أو ( Indivisible Project )، بمشاركة أكثر من مئتي تنظيم تقدّمي ونقابي وحقوقي (جُلّهم محسوبون على اليسار الليبرالي)، طرح شعار "أميركا لا يحكمها الملوك”، في إشارة إلى أن هناك حديث عن شكل النظام السياسي الأمريكي (!!) وتصورات بأن سلوك إدارة ترامب يميل بشكل متزايدٍ نحو المركزية الفردية في القرار السياسي، والتأثير على استقلالية المؤسسات الدستورية، كالفدرالي الأمريكي والجيش.

لا أؤمن بنظرية المؤامرة، لكن تزامن هذه التحركات الشعبية الواسعة مع تمكن ترامب من إنهاء العديد من الحروب الخارجية، وكبح جماح إسرائيل في المنطقة، يشير إلى علاقة منطقية (بالتقاء المصالح على الأقل) مع تلك المكتسبات التي تتشكل حول اقتصاد الحرب الذي يسيطر عليه الطابع اليساري الليبرالي. بالمختصر، منظمة (Indivisible) وغيرها من المؤسسات المشاركة في الحملة والتظاهرات، ترفع شعار الدفاع عن الديمقراطية والحرية، لكنها تجد نفسها اليوم متقاطعة مع مصالح مؤسسات الأمن والدفاع.


إدارة ترامب الحالية تسعى لإعادة تعريف مفهوم القوة الأميركية كأداة لفرض السلام، وهذه المقاربة الجديدة تُربك المؤسسات التي تغذّت على النزاعات، سواء كانت عسكرية أم فكرية أم إعلامية، وتفسّر لماذا يبدو هذا الحراك المعارض مفتعلًا، والهدف منه ليس كما يظهر، حيث يعزف على أوتار حساسة مثل وتر إنقاذ الديموقراطية رغم أن الديموقراطية الأمريكية راسخة.

قد نكون اليوم أمام تغيرات جذرية في سلوك القوة العظمى في العالم، فالتفاعلات المحلية- ومنها الحراك المناهض لترامب- هي انعكاس ومردود للتغيرات في السياسة الخارجية، والعكس صحيح

يبدو أن تأنيب ترامب لإسرائيل على سلوكها الأخير خصوصًا بعد العدوان على قطر ودمشق قد أزعج "الإيباك" وحلفائه، وأشعرهم أنهم يقعون بين مطرقة تشبث نتنياهو بالسلطة وسندان انزعاج ترامب الذي عبّر عنه ويتكوف وكوشنير في مقابلة متلفزة.


في النهاية، يجب وضع كل هذه التغيرات على طاولة القرار العربي لتجويد التخطيط، خصوصًا بعد تحسُّن التنسيق العربي بعد ما سمي بالربيع العربي وأحداث السابع من أكتوبر، نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لتأمل هذه التفاعلات المهمة.