نبض البلد - د. خِتام زهير العبادي
زيارة تعيد تعريف الدبلوماسية الأردنية وتحوّل الشراكة مع فرنسا إلى إنجازات في التعليم والتقنية.
تُجسّد زيارة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى فرنسا دبلوماسية أردنية جديدة تجمع بين الرؤية التنموية والحضور الدولي، وتُعيد رسم ملامح الشراكة الأردنية–الفرنسية لتواكب التحولات العالمية المتسارعة.
فالزيارة حملت أبعادًا تتجاوز البروتوكول، إذ جاءت لترسّخ نموذجًا جديدًا من العلاقات الثنائية قوامه التعاون في مجالات المستقبل: التعليم، والابتكار، والاقتصاد الرقمي، والطاقة المتجددة، إلى جانب العلاقات السياسية والأمنية المتينة التي تجمع عمّان وباريس منذ عقود.
دبلوماسية تُترجم إلى فرص
فرنسا تُعد من أبرز الشركاء الأوروبيين للأردن، والدولتان تتقاسمان رؤية مشتركة تقوم على السلام والتنمية المستدامة.
ومع هذه الزيارة، تجددت ملامح التعاون لتنتقل من الحوار السياسي إلى مشاريع عملية تمسّ حياة الشباب وتمكّنهم من المستقبل.
فالعلاقات الأردنية–الفرنسية اليوم لم تعد محصورة في الدعم الاقتصادي أو التنسيق الدبلوماسي، بل باتت شراكة إنتاج معرفة وتمكين بشري.
تعزيز التعاون الأمني
خلال الزيارة، اطلع سمو ولي العهد على وحدات التدخل الخاصة بالدرك الفرنسي (Gendarmerie Intervention Units)، حيث تم عرض أحدث التجهيزات والتقنيات وأساليب التدريب.
وتأتي هذه الزيارة لتعزيز التنسيق الأمني بين الأردن وفرنسا، ورفع مستوى التعاون في مجالات مواجهة التحديات الإقليمية، وحفظ الأمن والاستقرار، بما يتكامل مع الرؤية الأردنية في بناء شراكات استراتيجية قائمة على الثقة والكفاءة.
"42 عمّان”: التعليم بلغة المستقبل
من أبرز ثمار هذه الرؤية الطموحة برنامج "42 عمّان” الذي أطلقته مؤسسة ولي العهد بالشراكة مع المدرسة الفرنسية العالمية École 42.
يُعد البرنامج نموذجًا متقدمًا في التعليم غير التقليدي، يهدف إلى إعداد جيل من المبرمجين الأردنيين القادرين على المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
يعتمد البرنامج على منهجية تعليمية مبتكرة تقوم على التعلّم التشاركي ، من دون محاضرات أو أساتذة تقليديين، وبدون أي رسوم دراسية.
يتعلم الطلبة من خلال مشاريع عملية تُمكّنهم من تطوير مهارات حقيقية في البرمجة، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، في بيئة مفتوحة على مدار الساعة تُحفّز التفكير والعمل الجماعي.
"42 عمّان” هو جزء من شبكة تعليمية عالمية تضم أكثر من 57 حرمًا جامعيًا في 31 دولة، وتُخرّج آلاف المطورين سنويًا ضمن رؤية تسعى إلى سد النقص العالمي في الكفاءات التقنية عبر أسلوب تعليم حديث ومرن.
ويُنفّذ البرنامج بشراكات استراتيجية مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي، والسفارة الفرنسية في عمّان، وZINC – زين للابتكار، وكلية التدريب المهني المتقدم (CAVT)، ما يجعله نموذجًا فريدًا للتكامل بين القطاعات الحكومية والخاصة والمؤسسات التعليمية الدولية.
وهذا البرنامج ليس مجرد مبادرة تعليمية، بل ترجمة واقعية لرؤية سمو ولي العهد في تحويل طموح الشباب الأردني إلى قدرات عالمية مؤثرة.
رؤية ولي العهد: الاستثمار في الإنسان
من خلال هذه المبادرات النوعية، يترجم سمو ولي العهد رؤيته الواضحة في أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر استدامة.
فتمكين الشباب بالمهارات الرقمية، وربط التعليم بسوق العمل، وفتح قنوات تعاون دولية حقيقية، ليست شعارات بل سياسات تُنفَّذ على أرض الواقع.
هذه الرؤية الشابة تضع الأردن في موقع متقدم إقليميًا في مجال التحول الرقمي والتعليم المبتكر، وتفتح الباب أمام فرص اقتصادية جديدة تُسهم في تعزيز تنافسية الأردن عالميًا.
نحو دبلوماسية تنموية جديدة
إن زيارة سمو ولي العهد إلى فرنسا تُجسّد انتقال الدبلوماسية الأردنية إلى مرحلة جديدة من الفاعلية والتنمية، حيث يصبح التعاون الدولي أداة لبناء القدرات وتوليد المعرفة، لا مجرد علاقات رسمية أو مساعدات اقتصادية.
ومن باريس، يؤكد سمو ولي العهد أن مستقبل الأردن يُصنع بالعلم، وأن الاستثمار في الشباب هو أقصر طريق نحو أردنٍ مزدهر يقوده الإبداع والمعرفة.