الكلمة كسلاح استراتيجي: كيف أعاد الخطاب الملكي تشكيل المشهد الدولي للقضية الفلسطينية

نبض البلد -
خلدون خالد الشقران

الكلمة كسلاح استراتيجي: كيف أعاد الخطاب الملكي تشكيل المشهد الدولي للقضية الفلسطينية

في عالمٍ تتزاحم فيه الأزمات وتتنازع فيه الروايات، يختار الأردن أن يتقدّم بخطابٍ سياسيٍ يقوم على قوة الكلمة لا على ضجيج السلاح، هذه المقاربة ظهرت بوضوح في كلمة الملك الأخيرة على المنابر الدولية، حيث تحوّل الخطاب من مجرد تأكيد مواقف إلى أداة ضغط ومساءلة للمجتمع الدولي، ومسعى لإحياء الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية بعد محاولات تهميشها.

في ساحة السياسة العالمية اليوم، لم تعد المعارك تُخاض فقط بالجيوش أو العقوبات الاقتصادية، بل تُدار أيضًا عبر الإعلام والخطاب والرأي العام، من هنا تحرك الأردن ضمن معادلة جديدة: لا تركيز على الشعارات العامة ولا الاكتفاء بالتنديد، بل صياغة خطاب قادر على تحريك الضمير العالمي وتعرية المعايير المزدوجة، هذه الاستراتيجية تجعل من الكلمة أداة للتأثير في المواقف الدولية، وإعادة تعريف الأولويات على جدول أعمال المجتمع الدولي.

جوهر الخطاب الملكي الأخير لم يكن استعراض المظلومية الفلسطينية، بل بناء حجة أخلاقية وقانونية تدفع القوى المؤثرة إلى إعادة النظر في مواقفها، هو خطاب خاطب الضمير أكثر من المصالح، وذكّر بأن الصمت على الانتهاكات لا يُعفي من المسؤولية، هذا النوع من الخطاب يعيد صياغة السردية حول الصراع، ويرسّخ أن القضية ليست نزاعًا عابرًا بل مسألة عدالة إنسانية.

إطلاق خطاب من هذا النوع يضع الأردن في موقع الطرف الفاعل لا المتفرج، ويعزز صورته كوسيط نزيه يدافع عن المبادئ لا عن المكاسب اللحظية. كما أنه ينقل النقاش حول القضية الفلسطينية من مربع الأمن والسياسة إلى فضاء القيم والالتزامات الدولية، وهو ما يجعل تجاهله أكثر كلفة على الأطراف الأخرى.

التحدي الأبرز يبقى في تحويل الخطاب إلى خطوات عملية، فالتأثير على الرأي العام العالمي قد يخلق ضغطًا، لكنه يحتاج إلى استثمار دبلوماسي متواصل ليترجم إلى مواقف رسمية، مع ذلك يكمن في هذه الاستراتيجية فرصة لبناء تحالفات أوسع، وكسب دعم شعبي عالمي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي في وجدان العالم.

الرسالة الجوهرية التي خرج بها الخطاب الملكي الأخير هي أن المعركة على الرواية لا تقل أهمية عن أي معركة أخرى، الكلمة يمكن أن تكون قوة دافعة للتغيير حين تُستخدم بذكاء واستراتيجية، وهذا بالضبط ما فعله الأردن: لم يكتفِ بموقف المراقب بل أعاد صياغة النقاش الدولي حول القضية الفلسطينية، مستنهضًا الضمير العالمي وداعيًا إلى تحرك يتجاوز الكلام إلى الفعل