لحظة تصفيق شعبي... وثمن استراتيجي باهظ على غزة

نبض البلد -
تحليل أمني لحادثة جسر الملك حسين..

د. بشير الدعجه.

شهدت المنطقة حادثة أمنية هزت المشهد الفلسطيني–الإسرائيلي... بعد مقتل إسرائيليين اثنين وإصابة ثالث في عملية فردية... الحدث رغم طابعه الرمزي... لم يكن مجرد رد فعل عابر على سياسات الاحتلال... بل جاء ليكشف هشاشة التوازن الأمني والسياسي ويزيد من الضغوط على المدنيين في غزة... خصوصًا في ظل قرار الاحتلال وقف إدخال المساعدات الإنسانية والأدوية عبر الأردن حتى إشعار آخر... وهو قرار أصاب المستشفيات الميدانية بالشلل وأوقف شريانًا حيويًا كان يخفف من معاناة الفلسطينيين ويعطل مصالح آلاف العابرين.

الأرقام تكشف حجم الكارثة ..
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

قبل قرار وقف المساعدات:

40–45 شاحنة مساعدات يوميًا غذاء وأدوية ولوازم إغاثية.

أكثر من 7 آلاف مسافر يوميًا بين الأردن والضفة لإتمام مصالحهم ودراستهم.

600–800 حالة يوميًا في المستشفى الميداني الأردني لتلقي العلاج بين جرحى ومرضى مزمنين وأطفال.

بعد القرار... أصبحت هذه الأرقام صفرًا... ما يعني تعطيل الرعاية الطبية وحرمان أكثر من مليوني فلسطيني من الغذاء والدواء، وتعطيل حركة آلاف المسافرين... ما فاقم الأزمة الإنسانية بشكل هائل.

الدور الأردني... شريان الحياة للقطاع
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

الأردن يظل الركيزة الأساسية لصمود غزة... فمن خلال المستشفيات الميدانية والقوافل الطبية... يمتلك أوراق قوة ومصداقية عالية أمام المجتمع الدولي... ومن المتوقع أن يتحرك الأردن عبر:

* تفعيل القنوات الدبلوماسية مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتوضيح أن العملية فردية لا تعبّر عن الدولة الأردنية... والحفاظ على موقفه الثابت الإنساني.

* إبراز الخطاب الإنساني والإغاثي في المحافل الدولية للضغط على الاحتلال من أجل السماح بإعادة إدخال المساعدات الطبية والغذائية... والتأكيد أن وقفها يفاقم الكارثة في غزة.

* تعزيز ودعم المستشفيات الميدانية الأردنية كمؤسسات إنسانية حيوية... والسعي لتوسيعها أو دعمها عبر منظمات دولية لكسر الحصار السياسي الذي فرضه الاحتلال.

الأثر الأمني والاستراتيجي للعملية..
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""

العملية من الناحية الأمنية كشفت عن هشاشة الإجراءات الأمنية الاسرائيلية.... لذلك إسرائيل ستستغل الحادثة لتبرير تشديد الإجراءات على الحدود والمعابر... وفرض قيود صارمة على حركة الأفراد والبضائع... ورفع حالة الاستنفار الأمني داخل مدن الداخل المحتل... وزيادة التفتيش والتدقيق الأمني ما يزيد معاناة المدنيين ويعطل مصالحهم داخل مدن الداخل المحتل .

 
إستراتيجيًا... تحاول تل أبيب استثمار الحادثة أمام المجتمع الدولي لتقديم نفسها كضحية "للإرهاب الفردي"... بينما الحقيقة تقول أن سياساتها هي السبب المباشر في تعطيل المستشفيات وإيقاف المساعدات، ومحاولة تضليل الرأي العام لكسب التعاطف العالمي على حساب الواقع الإنساني.

الغضب الشعبي لا يصنع النصر..
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
قد يرحب الشارع بالعملية عاطفيًا... لكنها سلبياتها أكبر بكثير: منحت إسرائيل ذريعة لتكثيف الحصار... أوقفت وصول أكثر من 40 شاحنة مساعدات يوميًا... أثقلت كاهل المستشفيات الميدانية وحرمت ملايين الفلسطينيين من العلاج والغذاء... ومنحت الاحتلال فرصة لتشويه الدور الإنساني الأردني.

الأرقام والحقائق تؤكد أن الكلفة الإنسانية والسياسية للحدث أكبر بكثير من أي ربح شعبي مؤقت، وأن أي انتصار رمزي لا يعوض الخسارة على الأرض... فالعملية أعادت فتح باب الحصار من جديد... وأظهرت أن الحلول الفعلية ليست في العمليات الفردية... بل في ضمان استمرار المساعدات... دعم صمود المدنيين، وتعزيز الضغط الدولي لإنهاء الحصار والسياسات القمعية.

خلاصة القول ... تكشف الحادثة أن الغضب الشعبي وحده لا يصنع النصر... وأن ما يُحرق على الأرض في غزة اليوم لن يُصلح بالعاطفة وحدها... بل بالحلول العملية التي تحمي المدنيين وتحافظ على استقرار المنطقة.. وللحديث بقية..