في زمن الحسم ، لا مكان للمسؤول المرتبك

نبض البلد -
عماد عبدالقادر عمرو

ندرك جميعا اليوم أننا في زمن لا مجال معه للحياد ولا مكان للتردد.

 فالمسؤول إما أن يكون في موقع القرار، مدركًا حجم اللحظة الوطنية وما تتطلبه من وضوح وحزم، أو أن يتنحى جانبًا ليترك الساحة لمن يملك الإرادة والقدرة. والأردن اليوم يواجه مرحلة دقيقة، تتطلب رجال دولة لا موظفي مناصب، وصوتًا صريحًا لا صمتًا مريبًا.

المواطن اليوم أكثر وعيًا، وأكثر رقابة على الأداء العام. يدرك أن الوقت ليس في صالح الانتظار، وأن المال العام لا يحتمل الهدر، وأن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالخطابات، بل بالمواقف الجريئة والقرارات المدروسة.

لكننا نصطدم أحيانًا بمسؤول متردد، مرتبك القرار، يرى المنصب عبئًا ثقيلًا بدل أن يراه تكليفًا شريفًا. هذا النوع من المسؤولين لا يعطل الإنجاز فحسب، بل يفرغ مؤسسات الدولة من قيمتها، ويحوّل الإدارة إلى دائرة مغلقة من الانتظار والشلل، ويُفقد الناس الثقة بالدولة.

والمسؤول الذي يغيب صوته حين يحتاج الوطن والمواطن إلى موقف واضح، لا يستحق أن يبقى على كرسي المسؤولية. فبعض الأحداث والأخبار التي تتناثر هنا وهناك لا تحتمل الصمت أو التردد؛ بل تحتاج إلى رد مباشر يوقف الإشاعة، ويغلق الباب أمام التأويلات، ويخرس الأصوات النشاز. فالصمت في لحظة الحقيقة ليس حيادًا، بل ضعف يكلّف الدولة ثقة الناس واستقرار المشهد.

وغالبًا ما يكون هذا التردد نتيجة لطريقة الوصول إلى المنصب، لا لضغوط العمل وحدها. فمن يصل عبر المحاصصة أو المجاملات غالبًا ما يفتقر إلى الجرأة والرؤية الواضحة، ولا يستطيع دفع تكلفة قراره.

إن المسؤول المتردد لا يعيق التقدم فقط، بل قد يحمّل خزينة الدولة أعباء إضافية بسبب فرص ضائعة، مشروعات متوقفة، وقرارات متأخرة. وهنا تبرز أهمية الإشراف الملكي المباشر على القرارات المفصلية، الذي لا يترك أي عذر للتقاعس أو الإهمال. المسؤول اليوم تحت مجهر القيادة والمجتمع معًا، والثقة الملكية لا تُمنح إلا للأداء الملموس والنتائج على الأرض.

وقد انعكس حضور رئيس الحكومة الميداني على أداء الكثير من الوزراء، الذين باتوا يتواجدون في الميدان بشكل شبه يومي، الأمر الذي عزز ثقة الناس بالعمل العام، وأعاد الإحساس بجدية الدولة في متابعة شؤون المواطنين. ولعل ما يميز هذه المرحلة أن توجيهات جلالة الملك تُنفذ بشكل حقيقي، وبمتابعة حثيثة من سمو ولي العهد، بما يجعل المسؤول تحت رقابة مضاعفة: من القيادة ومن الشعب في آن واحد.

إيماننا بأن الأردن لا يملك ترف الوقت ولا فائض المال يجعلنا كمواطنين نتابع كل تحرك، ونقيس صدق المسؤول من خلال التزامه العملي بالإصلاح، لا شعاراته. الوطن ليس ساحة تجارب، ولا منصة لتجميع الألقاب. المسؤولية تكليف، والمناصب تُقاس بالجرأة ونظافة اليد ووضوح الرؤية، لا بالبروتوكولات.

الأردن أكبر من أن يدار بعقلية المرتبكين أو بأيدي المترددين. هو وطن صنع تاريخه بالقرار الجريء والموقف الواضح. ومن يجلس على كرسي المسؤولية دون أن يرتقي لمستوى هذه اللحظة، فإن مكانه ليس بين رجال الدولة. نحن شعب يؤمن بقيادته، ويدرك أن المستقبل لا يُبنى بالانتظار، بل بالفعل؛ وبالجرأة التي تحفظ الحق وتصون الكرامة وتفتح الطريق لغد أفضل.