حين يختنق الكيان في أوروبا: هل يلجأ الكيان وأمريكا إلى صناعة الإرهاب؟”

نبض البلد -
كتب محسن الشوبكي

في ظل التصاعد الشعبي الأوروبي والأمريكي الرافض لجرائم الإبادة والتجويع التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة، يجد هذا الكيان نفسه في مواجهة غير مسبوقة مع الرأي العام العالمي، خصوصًا في أوروبا، حيث باتت التحركات الشعبية والقرارات الرسمية تمثل ضغطًا حقيقيًا على منظومة الاحتلال وعلى الولايات المتحدة التي لطالما شكلت مظلة الحماية السياسية والدبلوماسية والعسكرية له. الاعترافات المتتالية من دول أوروبية بدولة فلسطين، والاحتجاجات الحاشدة التي تملأ شوارع العواصم الغربية، لم تعد مجرد تعبيرات رمزية، بل تحولت إلى أدوات ضغط فعّالة تهدد بإعادة تشكيل المزاج السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية، وتضع الكيان الصهيوني في زاوية حرجة، خاصة مع تزايد الأصوات المطالبة بفرض عقوبات أو تعليق اتفاقيات الشراكة معه، كما حدث في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذي طرح فيه أكثر من عشرة خيارات للتعامل مع إسرائيل، منها تعليق الاتفاقيات، وفرض حظر على تصدير الأسلحة، ووقف السفر دون تأشيرة للإسرائيليين، وحظر التجارة مع المستوطنات.

في المقابل، لا يبدو أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة يمتلكان خيارات تقليدية فعّالة للرد على هذا التحول الأوروبي، خاصة في ظل شبه عزلة دولية تتشكل تدريجيًا حولهما، رغم أنها لم تكتمل بعد. فالمؤسسات السياسية والإعلامية في أمريكا لا تزال رهينة لتحالفات يمينية متطرفة، تبرر كل شيء باسم "الدفاع عن النفس”، وتمنح الغطاء الكامل لاستمرار آلة القتل. داخل الكيان، تغيب القوى الضاغطة القادرة على كبح جماح اليمين المتطرف، مما يتيح له التحالف مع قوى دينية متطرفة، ويمنحه حرية الاستمرار في تنفيذ سياسات الإبادة تحت ذرائع أمنية ودينية واهية. هذا الغياب الداخلي للردع يجعل من التفكير في خيارات غير تقليدية أمرًا واردًا، بل وضروريًا من وجهة نظر الأجهزة الأمنية الصهيونية والأمريكية.

أحد أخطر السيناريوهات التي قد تلجأ إليها هذه الأجهزة هو تنفيذ عمليات استخبارية معقدة ومحددة داخل الدول الأوروبية، تستهدف مصالح إسرائيلية أو غيرها، بهدف استثارة الرأي العام الأوروبي وتحويله من التعاطف مع الفلسطينيين إلى الخوف من "الإرهاب” أو "التهديدات الأمنية”. هذا النوع من العمليات، المعروف تاريخيًا باسم "الرايات الكاذبة”، ليس جديدًا في سجل الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية، وقد تم استخدامه سابقًا لتبرير تدخلات أو قلب المزاج الشعبي. ورغم وجود قيود قانونية وسياسية تمنع مثل هذه التحركات، إلا أن وجود شخصيات مثل نتنياهو وترامب في مواقع القرار يجعل هذا الخيار أكثر واقعية، خاصة في ظل تصاعد العزلة الدولية، وتراجع فعالية أدوات الضغط التقليدية.

الرهان هنا سيكون على قدرة هذه الأجهزة على خلق حدث أمني كبير في أوروبا، يُنسب إلى جهات فلسطينية أو داعمة لغزة، ويُستخدم لتبرير إعادة تأطير الصراع على أنه تهديد عالمي، وليس قضية تحرر وطني. هذا السيناريو، رغم خطورته، قد يكون الخيار الوحيد المتاح أمام الكيان والولايات المتحدة لكسر موجة الدعم الشعبي الأوروبي، خاصة وأن المقاومة الفلسطينية، رغم حجم الإبادة، لم تنزلق إلى استهدافات خارجية، بل حافظت على تمركزها داخل فلسطين، مما يُصعّب على الكيان تبرير أي رد أمني خارج الحدود دون افتعال حدث يُعيد تشكيل السردية.

في هذا السياق، يصبح الصراع على الرأي العام الأوروبي ساحة مركزية في المعركة، وقد نشهد في المرحلة المقبلة تصعيدًا استخباريًا وإعلاميًا منظمًا، يهدف إلى تشويه صورة المقاومة، وخلق حالة من الذعر الأمني، تُستخدم لتبرير سياسات أكثر تطرفًا، وإعادة تأهيل الكيان في الوعي الأوروبي كطرف "مُهدد” لا "مُهدِد”. هذا التحول، إن حدث، سيكون نتيجة مباشرة لفشل الكيان والولايات المتحدة في احتواء التحولات الشعبية والسياسية، ولجوئهما إلى أدوات غير أخلاقية لكسر موجة التضامن، وهو ما يستدعي يقظة عالية من القوى المدنية والإعلامية في أوروبا، لمنع إعادة إنتاج الأكاذيب التي لطالما استخدمت لتبرير الجرائم.