د. خالد العاص
لم يعد الأمن الإقليمي شأنًا داخليًا محصورًا في حدود دولة بعينها، بل أصبح شبكة متداخلة، أي خلل فيها سرعان ما ينعكس على الجميع. وفي هذا الإطار، شدّد جلالة الملك عبدالله الثاني على أن "أمن قطر من أمن الأردن"، باعتباره موقفًا استراتيجيًا يترجم وحدة المصير في مواجهة التحديات.
وجاء الهجوم الإسرائيلي الأخير على وفد حركة حماس في الدوحة ليكشف عن خطورة المرحلة وحساسية التوازنات الإقليمية؛ فالاعتداء لم يكن مجرد استهداف لوفد سياسي، بل رسالة واضحة مفادها أن أي دولة تحتضن الحوار أو تدعم الحقوق الفلسطينية ستصبح في مرمى الضغط والتهديد. هذا التطور الخطير يعكس طبيعة الصراع المفتوح، حيث لم يعد محصورًا بغزة أو الضفة، بل بات يطال العواصم والمواقف والسياسات.
من هنا، يدرك الأردن أن ما تتعرض له قطر ليس بعيدًا عنه؛ فالقضية الفلسطينية هي جوهر الأمن القومي الأردني، وأي محاولة لتقويض المواقف الداعمة لها تمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة بأسرها. ولهذا جاء التضامن الأردني- القطري طبيعيًا وضروريًا، ليس بوصفه تحالفًا تكتيكيًا، بل باعتباره التقاءً استراتيجيًا على رفض تصفية القضية الفلسطينية أو المساس بالقدس ومقدساتها.
لقد أثبتت التجربة أن الأردن وقطر يشتركان في رؤية متقدمة تجاه القضايا الإقليمية: دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، رفض الضغوط التي تحاول تحويل القضية إلى ملف أمني بحت، والتأكيد على أن الحل العادل هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار. كما أن التنسيق بين البلدين في المحافل الدولية يعكس إدراكًا عميقًا بأن المعركة لم تعد فقط مع الاحتلال، بل مع الخطاب العالمي الذي يسعى إلى شرعنة سياساته تحت شعارات مضللة.
إن الاعتداء الإسرائيلي في الدوحة لم يكن سوى جرس إنذار جديد بأن المنطقة أمام مرحلة إعادة تشكيل صعبة، وأن أي فراغ أو ضعف في الموقف العربي سيُستغل لصالح مشاريع الهيمنة. ومن هنا، فإن الموقف الأردني- القطري المشترك يشكل سدًا منيعًا أمام هذه المحاولات، ويعكس أن وحدة الصف بين العواصم العربية قادرة على خلق معادلات جديدة أكثر عدلًا وواقعية.
في النهاية، يترسخ القول الملكي بأن أمن قطر من أمن الأردن كحقيقة جيوسياسية تتجسد في أن استقرار الدوحة وعمان وجهان لعملة واحدة. ومع اشتداد العاصفة، يبقى الرهان على المواقف الصلبة التي ترفض المساومة على الحقوق وتدرك أن حماية فلسطين هي حماية للمنطقة بأكملها.