نبض البلد -
بلاسمة: الحاجة ملحّة لإعادة النظر في القانون لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة
عقل: القانون خطوة مهمة نحو تحديث قطاع الطاقة وتعزيز الشفافية والحوكمة
الأنباط – عمر الخطيب
منذ عقود وقطاع الكهرباء في الأردن يدور في حلقة مغلقة؛ بين مصانع تطالب بتخفيض الكلف، وشركات توزيع تتذرع بالفاقد، وهيئة تنظيم تلوّح بالترخيص والتعرفة كعصا سحرية. واليوم، جاء "قانون الكهرباء العام لسنة 2025” ليعيد خلط الأوراق، لكنه لم يُخرج اللاعبين من المسرح، بل جعل المشهد أكثر ضبابية.
خبراء يرون فيه أداة لتكريس الاحتكار وزيادة الأعباء، وآخرون يصفونه بأنه بوابة للاستثمار والاستدامة. وبين المشتري المنفرد والمستهلك المقيد، وبين رسوم العبور وتراخيص التخزين، وبين وعود الهيدروجين الأخضر وفواتير المواطن المثقلة بالغلاء… تتوه الحقيقة.
فالمشهد يبدو كأن الجميع يتصارع على الكعكة؛ المولّد يريد حصته، الناقل يطالب بكلفته، والموزّع يبحث عن أرباحه، فيما يبقى المواطن الحلقة الأضعف. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سيكون القانون جسراً إلى طاقة أرخص وحياة أفضل، أم عبئاً جديداً فوق أكتافه المنهكة؟
المشتري المنفرد يكرّس الاحتكار
ويرى خبير الطاقة الدكتور فراس بلاسمة أن القانون الجديد يمنح هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن صلاحيات واسعة في تحديد التعرفة بما يضمن تغطية الكلف وتحقيق عوائد للمستثمرين، وهو ما يعني عملياً تحميل المستهلك النهائي كامل الأعباء المالية، في وقت يعاني فيه المواطنون من ارتفاع تكاليف المعيشة.
وأشار إلى أن القانون أعاد تكريس أسلوب "المشتري المنفرد” الذي يقيّد حرية البيع المباشر للكهرباء ويضعف المنافسة في السوق، الأمر الذي يحد من جاذبية الاستثمار المحلي والأجنبي ويكرس حالة من الاحتكار.
وأضاف بلاسمة أن القانون سمح بفرض رسوم متعددة على الترخيص والعبور والتخزين والتوزيع، ما يزيد من كلف المشاريع ويضعف جدواها الاقتصادية. أما في ملف الطاقة المتجددة، فرأى أن الاستثناءات الممنوحة للمشاريع الصغيرة (1–5 ميغاواط) تبقى مرهونة بقرارات المجلس والهيئة، ما يضعف ثقة المستثمرين ويعرقل انتشار مشاريع الطاقة اللامركزية.
وأكد أن هذه الصياغة لا تنسجم مع توجهات رؤية التحديث الاقتصادي والاستراتيجية الوطنية للطاقة، التي تهدف إلى تخفيض كلف الكهرباء وجذب استثمارات نوعية. وشدّد على أن غياب الحوافز الحقيقية وتوسع القيود البيروقراطية يفتح الباب لمزيد من الخسائر والأعباء.
وخلص بلاسمة إلى أن الحاجة ملحّة لإعادة النظر في القانون وتبني تعديلات تضمن وضوح الرسوم وتشجع الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتفتح السوق أمام المنافسة الحرة، بما يحقق التوازن بين مصلحة المستهلك والمستثمر والقطاع ككل.
القانون يعزز كفاءة الطاقة
في المقابل، يرى خبير الطاقة هاشم عقل أن التشريع الذي دخل حيّز التنفيذ في 16 آب/أغسطس 2025 يحمل العديد من الإيجابيات التي قد تساهم في تطوير قطاع الطاقة الأردني وتعزيز استدامته.
وبيّن عقل أن القانون يهدف إلى تعزيز كفاءة استخدام الكهرباء والحد من الهدر، بما يحسّن الخدمة المقدمة للمواطنين، إضافة إلى ضمان عدالة التوزيع بين المستهلكين وتوفير طاقة موثوقة وآمنة بأسعار معقولة.
وأشار إلى أن القانون يمثّل دفعة قوية لمشاريع الطاقة المتجددة، سواء في مجال الشمس أو الرياح، ما يقلل من اعتماد الأردن على واردات الطاقة المكلفة ويحميه من تقلبات الأسعار والصدمات الجيوسياسية. كما يفتح الباب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، بما في ذلك مشاريع الهيدروجين الأخضر، بما يعزز الاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل جديدة.
الشفافية والحوكمة.. وإصلاحات جديدة
وأوضح عقل أن القانون أتاح للأفراد والمؤسسات بيع الفائض من الكهرباء ذاتية الإنتاج إلى الشبكة الوطنية، ما يشجع على التوفير ويمكّن المواطنين من تحقيق دخل إضافي. كما ينظم تخزين الطاقة لأغراض الاستهلاك الذاتي أو دعم استقرار الشبكة، بما في ذلك استخدام أنظمة البطاريات المنزلية.
وأكد أن الإصلاحات تهدف إلى خفض فاتورة الكهرباء وتشجيع المنافسة، إضافة إلى دعم الابتكار والتحول الرقمي من خلال مشاريع الطاقة النظيفة.
ومن الجوانب الإيجابية الأخرى، شدّد عقل على أن القانون يعزز الشفافية والحوكمة في إدارة القطاع، ويضع تشريعات أكثر صرامة للحد من الاعتداءات على الشبكة وتقليل الفاقد. كما يعالج قضية لطالما أثقلت كاهل المواطنين، وهي ربط بيع أو تأجير العقارات بضرورة الحصول على براءة ذمة من شركات الكهرباء، بما يحمي المستأجرين والمشترين من تحمل ذمم مالية متراكمة على الغير.
وختم عقل بأن هذه البنود تجعل القانون خطوة مهمة نحو تحديث قطاع الطاقة في الأردن، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستدامة والكفاءة والابتكار، تسهم في تحقيق أمن الطاقة وتخفيف الأعباء المالية على المواطنين والدولة على المدى الطويل.