ضعف نتائج الاختبارات الدولية.. حاجة ملحّة لإعادة التفكير في المنظومة التعليمية

نبض البلد -

عبيدات: ترتيبنا المتأخر في الاختبارات يكشف أزمة أعمق في مهارات الطلاب

قبيلات تحذر من صدمة معرفية تصيب الطلبة في اختبارات PISA وTIMSS

الزعبي يدعو لتبني نماذج تعليمية عالمية والتوقف عن تجريب المناهج على الطلبة

 

الأنباط – شذى حتاملة

 

تشير نتائج الأردن في الاختبارات الدولية مثل PIRLS وTIMSS وPISA إلى تحديات عميقة تواجه النظام التعليمي، وتسلط الضوء على فجوة مقلقة بين مخرجات التعليم المحلي والمعايير العالمية. فقد دقت هذه المؤشرات ناقوس الخطر، ليس فقط بسبب تدني ترتيب الأردن مقارنةً بالمتوسطين العربي والعالمي، بل لما تعكسه من ضعف في المهارات الأساسية لدى الطلبة، وعلى رأسها الفهم القرائي والتفكير التحليلي وحل المشكلات.

وفي هذا السياق، يجمع عدد من الخبراء التربويين على أن هذه النتائج لا يمكن فصلها عن بنية النظام التعليمي بأكمله، بدءًا من طبيعة المناهج وطرائق التدريس، مرورًا بفعالية التقويم، ووصولًا إلى مستوى تأهيل المعلمين ودافعية الطلبة.

ويؤكد خبراء أن الاختبارات الدولية تكشف عن ضعف في المهارات الحياتية والقدرة على توظيف المعرفة، وليس مجرد قصور في الحفظ أو استرجاع المعلومات.

وأكدوا وجود ضعف في تطبيق أساليب تعليم وتقييم تنمّي التفكير العالي. محذرين من استمرار التجريب على حساب الطلبة، وضرورة تبني نماذج تعليمية مجرّبة عالميًا، وتوجيه الجهود نحو تأهيل المعلمين بكفاءة وقيادة إصلاح شامل يرتكز إلى رؤية استراتيجية واضحة.

ومع الوضع القائم، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة التفكير في المنظومة التعليمية بكاملها، انطلاقًا من تقييم واقعي للواقع، ووصولًا إلى إصلاح جذري لا يقتصر على تعديل المناهج أو السياسات، بل يشمل الثقافة التربوية بأكملها.

الاختبارات الدولية مرآة حقيقية لجودة التعليم

وسلّط الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات الضوء على أهمية الاختبارات الدولية التي تُشارك فيها الدول بهدف تقييم مخرجات أنظمتها التعليمية. ورغم كون هذه الاختبارات تنظمها جهات تجارية تسعى للربح، إلا أن عبيدات أكد أنها أدوات فعالة لقياس جودة التعليم ومقارنة أداء الطلبة على مستوى عالمي.

وأوضح أن هذه الاختبارات لا تقتصر على قياس المعلومات التقليدية الموجودة في المناهج، بل تركز على المهارات العقلية، كالتحليل والفهم والتفكير النقدي. وأشار إلى أن الأسئلة تُصمم بحيث يتمكن الطالب الذي فهم المفهوم من الإجابة عنها، بغض النظر عن الخلفية النظرية التي تلقاها، ما يجعلها عادلة من حيث تقييم نواتج التعلم الفعلية.

وبيّن أن بعض الأسئلة قد لا تكون مرتبطة مباشرة بما يدرسه الطالب في صفه، لكنها تُظهر مدى قدرته على توظيف المعرفة في مواقف جديدة. وأضاف: "الاختبارات لا تقيس الحفظ، بل القدرة على التفكير وتطبيق المعرفة".

وحذر عبيدات من خطورة نتائج هذه الاختبارات، فهي لا تعكس فقط ترتيبًا متأخرًا، بل تكشف أيضًا عن ضعف في المهارات الحياتية والشخصية، وهي مهارات أساسية يُفترض أن يكتسبها الطالب خلال سنوات التعليم.

وشدد على ضرورة الاستمرار في المشاركة بهذه الاختبارات الدولية، شريطة التعامل معها بجدية وشفافية، دون تلاعب في اختيار العينات أو تخصيص تدريب خاص للطلبة. وأوضح أن هذه الاختبارات تعتمد على اختيار عينة عشوائية من الطلبة، ما يعني أن تدريبها بشكل خاص يُفقد النتائج مصداقيتها، لأن الهدف الأساسي هو قياس نواتج التعلم الحقيقية للنظام التعليمي، وليس نتائج تدريب محدود.

وأضاف عبيدات أن أسباب تدني الأداء لا ترتبط فقط بالمناهج، بل هناك عوامل متعددة تؤثر، منها: حجم الصف، عدد أيام الدراسة، حجم المادة التعليمية، مؤهلات المعلمين، البيئة المدرسية، التنمر، ظروف الأسرة، والواجبات المنزلية.

وفي هذا السياق، قال: "لا يمكن تحميل عامل واحد مسؤولية التراجع، فهناك دول تعاني من ظروف تعليمية أصعب، ومع ذلك تحقق نتائج أفضل، كما أن بعض معلمينا أكثر تأهيلًا من نظرائهم في دول أخرى، مما يدل على أن المشكلة أكثر عمقًا وتشابكًا".

وحول الاستعداد للاختبارات، أشار إلى وجود ضعف في تدريب الطلبة والمعلمين، ما ينعكس على الأداء، ويثير تساؤلات حول مدى جدية الجهات المعنية في التعامل مع هذه التقييمات العالمية.

كما شدد على أن التركيز لا يجب أن ينصب فقط على الطلبة المشاركين في الاختبارات، بل يجب أن يشمل جميع الطلبة، كون هذه الاختبارات تقيس ناتج التعليم الوطني ككل، لا أداء فئة محددة.

 

وفيما يتعلق بالواجبات المنزلية، أوضح عبيدات أن دولًا متقدمة لا تفرض كميات كبيرة من الواجبات، ورغم ذلك تحقق نتائج مرتفعة. وعلّق بأن الأنظمة التعليمية الناجحة هي أنظمة متكاملة تهتم بجميع عناصر العملية التعليمية، من تأهيل المعلم، والمحتوى، إلى البيئة الصفية والعلاقة مع الأسرة.

وفي مقارنة مؤلمة، أشار إلى أن طلبتنا غالبًا ما يحتلون المراتب الأخيرة في نتائج الاختبارات الدولية، وغالبًا ما يكون أداؤهم دون المتوسط العالمي، في حين تحقق دول أخرى نسبًا عالية من الطلبة المتميزين، تصل في بعضها إلى 4% ممن يحققون أعلى الدرجات، بينما تقع الغالبية العظمى من طلبتنا ضمن الفئات الدنيا من التحصيل.

وختم عبيدات حديثه بالتأكيد على غياب خطط استراتيجية واضحة لتطوير التعليم الأساسي، مؤكدًا أن التركيز منصب على مرحلة التوجيهي، بينما تُهمل مراحل حاسمة في البناء المعرفي والمهاري للطلبة، مثل الصفين الرابع والثامن.

"الصدمة المعرفية" والتفكير الأدنى

بدورها، أشارت الأمين العام السابق لوزارة التربية والتعليم، الدكتورة نجوى قبيلات، إلى أن تدني نتائج الطلبة في الاختبارات الدولية، مثل PISA وTIMSS، يُعزى إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها اختلاف طبيعة الأسئلة في هذه الاختبارات عن تلك المعتمدة في الامتحانات المدرسية التقليدية. وأكدت أن هذا التباين يؤدي إلى ما يُعرف بـ"الصدمة المعرفية"، حيث يجد الطلبة صعوبة في التكيف مع أنماط التقييم الجديدة، مما يؤثر سلبًا على أدائهم.

ورغم أن المناهج الدراسية المطوّرة قد بدأت تتضمن أنماطًا من الأسئلة المشابهة لتلك المستخدمة دوليًا، إلا أن قبيلات لفتت إلى أن ضعف إتقان الطلبة لمهارات التفكير العليا، مثل التفكير التحليلي، والاستنتاج، وحل المشكلات، لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا. وأضافت أن أداء الطلبة غالبًا ما يتمركز حول مهارات عقلية دنيا كالحفظ والاسترجاع، وهو ما لا يتماشى مع متطلبات هذه الاختبارات العالمية.

وفي هذا السياق، شددت قبيلات على أن ضعف توظيف المعلمين لأساليب التقويم الحديثة، التي من شأنها تعزيز التفكير الناقد والإبداعي لدى الطلبة، يُعد من العوامل المساهمة في هذا التراجع. كما أشارت إلى انخفاض دافعية الطلبة عند التقدم لهذه الاختبارات، نظرًا لغياب الحوافز المرتبطة بها، وعدم وجود مردود أكاديمي أو شخصي مباشر يُحفز مشاركتهم بجدية.

وفيما يتعلق بتأثير المناهج على التحصيل، أوضحت قبيلات أن للمناهج الدراسية دورًا محوريًا في تشكيل أداء الطلبة، معتبرة أن مواءمتها مع معايير التقييم العالمية يُعد عنصرًا حاسمًا في النجاح أو الإخفاق. وأكدت أن المناهج القديمة، التي سبقت عملية التطوير، لم تكن تتضمن محتوى معرفيًا أو مهاريًا يتناسب مع طبيعة هذه الاختبارات، مما أسهم في إضعاف جاهزية الطلبة للتعامل معها.

وأضافت أن غياب التقييم البنائي – الذي يُفترض أن يزوّد الطلبة بتغذية راجعة مستمرة حول مدى تحقق نواتج التعلم – ساهم في إضعاف الفهم المفاهيمي العميق لديهم. كما أشارت إلى أن ضعف الربط بين المحتوى الأكاديمي والتطبيقات الحياتية الواقعية أدى إلى تراجع اهتمام الطلبة بالمهام التي تتطلب تفكيرًا منهجيًا ومهارات حل المشكلات، وهو ما انعكس مباشرة على أدائهم في مهام مشابهة ضمن سياق الاختبارات الدولية.

 

نتائج مقلقة تستدعي "ثورة بيضاء" في التعليم

وأكد الدكتور عبدالله الزعبي، رئيس جامعة البلقاء التطبيقية الأسبق، أن نتائج طلبة الأردن في اختبار PIRLS، الذي يقيس مستوى فهم الطلبة للقراءة، تعكس تراجعًا مقلقًا يستدعي مراجعة شاملة للسياسات التعليمية. وأوضح أن الطلبة الأردنيين حصلوا على 381 نقطة، مقارنة بمتوسط عالمي بلغ 503 نقاط، ومتوسط عربي وصل إلى 429 نقطة، ما يعني أن الطلبة سجلوا نتائج أقل بـ122 نقطة عن المتوسط العالمي، وأقل بـ48 نقطة عن المتوسط العربي، واضعين الأردن في مرتبة متأخرة عالميًا.

وشدد الزعبي على أن هذه الأرقام تشكّل جرس إنذار، يتطلب وقفة تقييمية جادة قد تقود إلى ما وصفه بـ"ثورة بيضاء" حقيقية في قطاع التعليم، تستند إلى إصلاحات منهجية عميقة.

وفي استعراضه لنتائج اختبارات TIMSS، أشار إلى أن طلبة الصف الثامن حصلوا في الرياضيات على 388 نقطة، مقابل متوسط عالمي بلغ 478 نقطة، أي بفارق 90 نقطة. أما طلبة الصف الرابع، فحققوا 427 نقطة، أي أقل من المتوسط العالمي بـ77 نقطة.

وفي العلوم، كانت نتائج طلبة الصف الثامن 413 نقطة (أقل من المتوسط العالمي بـ65 نقطة)، بينما حصل طلبة الصف الرابع على 418 نقطة، بفارق 76 نقطة عن المتوسط العالمي. وأوضح الزعبي أن هذه النتائج، بمجموعها، تضع طلبة الأردن ضمن فئة "المستوى المنخفض"، وفقًا لتصنيفات الاختبارات الدولية.

ودعا الزعبي إلى التوقف عن "التجريب المتكرر" على الطلبة، والاتجاه نحو تبني نماذج تعليمية عالمية أثبتت فاعليتها، مثل النموذجين السنغافوري والكوري الجنوبي، مع الحفاظ على خصوصية المناهج الوطنية في مواد الهوية كاللغة العربية والتربية الإسلامية والوطنية.

واقترح أن تُوجَّه مخصصات تطوير المناهج نحو تدريب وتأهيل المعلمين على المناهج المعتمدة، مؤكدًا ضرورة اختيار قيادات تربوية كفوءة بمعزل عن المحاصصة والمجاملات، لضمان تنفيذ الإصلاحات بجودة وفعالية.

كما جدد اقتراحه بضرورة حصر مهمة إعداد وتأهيل المعلمين في جهة متخصصة واحدة، مثل أكاديمية الملكة رانيا لتدريب وتأهيل المعلمين، على أن يبدأ الإعداد من مرحلة الثانوية العامة، وفق نموذج مشابه للمعهد الوطني في سنغافورة. ودعا كذلك إلى اعتماد آلية اختيار صارمة للمعلمين، على غرار التجربة الكورية الجنوبية، تضمن اختيار المعلم المؤهل فكريًا وأكاديميًا، وتعزز مكانته كمختص مهني.

واختتم الزعبي حديثه بالتأكيد على أن هذه التوجهات والإصلاحات تنسجم مع الرؤية الملكية لتخريج أجيال تمتلك الكفاءة والمهارات لمواجهة تحديات المستقبل، والمساهمة الفاعلة في بناء ونهضة الدولة الأردنية.