التعديل الوزاري: رصاصة إنقاذ أم مسكن مؤقت؟.. وأولويات الحكومة على المحك

نبض البلد -
التعديل الوزاري: رصاصة إنقاذ أم مسكن مؤقت؟.. وأولويات الحكومة على المحك.

د. دانا خليل الشلول 

في خضم تحديات اقتصادية وسياسية متصاعدة، أعلنت حكومة جعفر حسان عن تعديل وزاري شمل عدة حقائب حيوية؛ حيث جاء هذا التعديل في خطوة يرى فيها البعض "محاولة أخيرة" لتسريع عجلة التنمية، بينما يعتبرها آخرون مجرد "ترميم للواجهة" لا يلامس جوهر المشكلات، حيث أنَّ هذا التعديل الأخير، الذي أثار جدلاً واسعاً، لا يكمن في أسماء الوزراء الجدد فحسب، بل في الرسائل التي يحملها بين طياته، لا سيما مع إبقاء بعض الشخصيات الوزارية التي حامت حولها تساؤلات كثيرة.

وجوه جديدة.. هل تملك وصفة النجاح؟
جاء هذا التعديل الوزاري ليضخ دماء جديدة في شرايين الحكومة، مع تعيين وزراء يمتلكون خلفيات متنوعة، من الأكاديميين إلى الخبراء التقنيين، كما أنَّ هذه الوجوه، بحسب المصادر والتصريحات الحكوميّة، تهدف إلى دفع عجلة تنفيذ المشاريع الكبرى المتعلقة برؤى التحديث الاقتصادي والإداري؛ فالتحديات التي تواجه الأردن اليوم، من ارتفاع المديونية العامة إلى أزمة التضخم العالمية، تتطلب كفاءات قادرة على اتخاذ قرارات جريئة ومبتكرة وتواكب واقع هذه المرحلة وتحدياتها المختلفة، لكن السؤال الذي يطرحه الشارع الأردني الآن هو: هل ستكون هذه الوجوه الجديدة أكثر من مجرد إضافات للحكومة، أم أنها ستتمكن فعلاً من تقديم حلول جذرية تلمس حياة المواطن؟

تساؤلات النواب.. الجدل يعكس فجوة متزايدة
لم يقتصر الجدل على الشارع الأردني، بل امتد إلى قبة البرلمان، حيث أثار التعديل موجة من الاستغراب؛ فقد عبّرت كتل نيابية مثل "إرادة" و "الوطني الإسلامي" عن استيائها من تجاهل الحكومة للتشاور معها، معتبرةًّ أنّ هذا النهج يُضعف الثقة بين السلطتين ويخالف مبدأ الشراكة بينهما، وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي الدكتور علي السرحان أنَّ "غياب التشاور مع الكتل النيابية يعمق الفجوة بين السلطتين، ويجعل التعديل الوزاري يبدو وكأنه إجراء أحادي، لا يراعي الرغبة في التشاركية"، فيما أنَّ هذا الموقف يفتح الباب أمام نقاشٍ ممتد حول مسؤولية الحكومة في تحديد أسباب إخفاقات الماضي، خاصة وأن الدستور لا يتطلب منها طلب الثقة مجدداً.

الوجه الاقتصادي.. هل نرى تغييراً في السياسات؟
يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن التعديل قد يحمل معه رؤية جديدة للتعامل مع ملفات الاقتصاد؛ فتعيين وزراء جدد في وزارات اقتصادية حيوية يمكن أن يؤدي إلى تسريع تنفيذ المشاريع الكبرى، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه، أو التوجه نحو حلول مبتكرة لأزمة الطاقة. وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور فواز الكرمي أن "التحدي الأكبر ليس في تغيير الأشخاص، بل في تغيير السياسات الاقتصادية المتبعة منذ سنوات، خاصة فيما يتعلق بملف المديونية والبطالة." لكن التساؤل يبقى قائماً حول مدى قدرة هذه الوجوه الجديدة على إحداث تغيير حقيقي في السياسات المالية والنقدية، بعيداً عن الروتين الحكومي والبيروقراطية.

دمج الوزارات.. خطوة نحو الكفاءة
شهد التعديل الوزاري خطوة مهمة أخرى تمثلت في دمج بعض الوزارات، في تطبيق مباشر لمخرجات رؤية التحديث الإداري، بينما  تعكس هذه الخطوة توجهاً حكومياً نحو ترشيد النفقات وزيادة الكفاءة، عبر تبسيط الإجراءات وتوحيد الجهود بين المؤسسات المتشابهة، وهو ما يضع تحدياً كبيراً أمام الوزراء الجدد لتحويل هذا الدمج إلى فرصة حقيقية لخدمة المواطن بشكل أسرع وأفضل.

مفارقة "التربية والتعليم العالي".. جدل يتجدد حول استقرار المنظومة

تعد وزارة التربية والتعليم من أكثر الحقائب الوزارية حساسيّةً، لذا كان الإبقاء على وزيرها في منصبه، رغم موجة الاستياء الواسعة من المعلمين والأكاديميين في مؤسسات التعليم العالي بسبب تصريحاته وقراراته التي وُصفت بالمتخبطة وغير المدروسة في قطاعي التعليم العام والعالي، أبرز نقاط الجدل في التعديل؛ فيما يأتي هذا القرار ليضع علامة استفهام كبيرة حول أولويات الحكومة، فبينما غادر وزراء من حقائب مستقرة، استمر وزير التربية والتعليم في منصبه، الأمر الذي أثار استغراب الرأي العام والشارع الأردني، كما يرى البعض أن الإبقاء على الوزير يعكس رغبة في استقرار المنظومة التعليمية، بينما يرى آخرون أن التغيير كان ضرورياً لإنهاء حالة عدم الرضا التي سادت أوساط المعلمين والأكاديميين والطلاب على حد سواء، كما أنَّ هذا الإبقاء، رغم كل ما حدث وأُثير، يطرح ويثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت الحكومة قد وضعت أولوياتها في المكان الصحيح، أم أنها فضلت الاستقرار على حساب الاستماع إلى صوت التغيير.

ردود الفعل الاجتماعية.. هل تتجاوز التوقعات؟

بعيداً عن الأروقة السياسية، كان لوسائل التواصل الاجتماعي صخبها الخاص؛ فالمواطن الأردني الذي يواجه تحديات يومية من ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى صعوبة تأمين فرص عمل، يراقب التعديل بعين حذرة، فتتصدر التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي لتعكس حالة من الإحباط أحياناً، حيث يتساءل الكثيرون عما إذا كانت الوجوه الجديدة ستقدم حلولاً ملموسة لمشاكلهم، أم أنها ستتبع نفس النهج القديم، من جهته عبر أحد المواطنين على إحدى الصفحات الإخبارية عن رأيه بهذا التعديل بتعليق: "ما بتفرق الأسماء قد ما بتفرق النتائج... بدنا نشوف على الأرض، مش بس على الورق والشاشات."، وهنا تكون المطالب واضحة للمواطنين: حلول اقتصادية جذرية، ومحاربة للبطالة، وتحسين للخدمات العامة، لا مجرد تغييرات شكلية.

ربط التعديل برؤى التحديث.. أفق جديد أم وعودٌ قديمة؟

يتجاوز التعديل الوزاري مسألة تغيير الوجوه، ليرتبط بشكل مباشر بمسار الأردن نحو تنفيذ رؤى التحديث الاقتصادي والإداري، وهنا يبرز السؤال: هل تم اختيار الوزراء الجدد بناءً على قدرتهم على ترجمة هذه الرؤى إلى خطط عمل ملموسة؟ أم أن التعديل لا يخدم سوى إدارة الأزمة الحالية؟ إن نجاح هذا التعديل سيقاس بمدى قدرة الفريق الحكومي الجديد على دفع عجلة الإصلاحات الكبرى، للخروج من دائرة التحديات إلى أفق التنمية المستدامة.

 التحديات أمام الحكومة الجديدة:
في النهاية، يبقى الحكم الحقيقي على هذا التعديل في أداء الحكومة خلال الأشهر المقبلة، لنستطيع الحكم؛ هل ستتمكن الحكومة من تحويل هذا التعديل إلى فرصة حقيقية للانطلاق نحو مستقبل أفضل، أم أنه سيبقى مجرد تغيير شكلي يضاف إلى سلسلة التعديلات الوزارية السابقة؟ فسيبقى الأداء دائماً هو المعيار الوحيد الذي سيجيب على هذا السؤال، وسيكشف ما إذا كانت الوجوه الجديدة قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة أم أننا أمام حلقة جديدة من مسلسل التعديلات الحكومية.