بيروت التي انفجرت ولم تُنصف

نبض البلد -

٤ آب في تاريخ لبنان… ليست ذكرى، بل يومٌ لا ينتهي.
هو ليس ماضٍ نرويه، بل حاضرٌ نعيشه كل يوم، كل لحظة، كل نَفَس.

هل يسمعنا أحد إن قلنا إننا تعبنا؟
تعبنا من الصراخ في الشوارع، من حمل الصور، من الشموع، من الأمل؟
تعبنا من الكذب، من الخطابات، من النسيان المفروض علينا كعقوبة جماعية.

في ذلك اليوم، كنا جميعًا هناك، في المطبخ، في المرفأ، على الشرفة، في المكتب، في السيارة، في أحضان من نحب…
ثم فجأة، لا شيء.
دخان، صراخ، دم، رعب، بكاء، زجاج، ركام… ثم صمت.
صمت طويل، مخيف، مجروح، حادّ كالسكاكين.

هل تعرفون ما معنى أن ينتظرك أحد على العشاء، فلا تصل؟
أن يكون ابنك في غرفته، وفجأة تُفتّش عن أشلائه بين الصور؟
أن تكون أمّك تضع الغداء، فتجدها تحت سقف سقط فوق رأسها؟
أن يُدفن أصدقاؤك وأنت لا تملك حتى وردة؟
أن تنجو… وتشعر بالذنب لأنك نجوت؟

رالف لم يكن يعرف أن الغياب قد يأتي على شكل عصفٍ ناريّ.
ألكسندرا لم تكن تعرف أن لعبتها ستبقى بلا صاحبة.
جو لم يكن يعرف أن المرفأ ليس مكان عمل، بل مشرحة.
سحر كانت تنقذ الناس، فماتت ولم يُنقذها أحد.
ميشال، عمران، وسواهم… كانوا ينتظرون الغد، فأتاهم الموت.

منذ خمس سنوات ونحن نعيش بينهم.
نحكي معهم، نزور صورهم، نضع الورد على أسمائهم، نحلم أنهم عادوا، نكتب لهم رسائل، ونبكي بلا خجل.

رئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون وعد بخمسة أيام.
قالها أمام عدسات العالم، بصوته المتعب، بثقة العارف.
مرّت الأيام…
مرّ أسبوع، شهر، عام، عامان، ثلاثة، أربعة…
وها نحن اليوم في السنة الخامسة، ولا قرار، لا حقيقة، لا وجه للعدالة.

أيعقل أن دولةً كاملة لم تجد مجرمًا واحدًا؟
أيعقل أن يموت أكثر من ٢٢٨ إنسان، ويُصاب الآلاف، وتُدمَّر مدينة، ولا يسأل أحد: من المسؤول؟
أيعقل أن نمشي فوق دمهم كل صباح، ونصفّر كأن شيئًا لم يكن؟
أيعقل أن يصبح الموت حدثًا عابرًا، والنجاة شعورًا بالذنب؟

بيروت لا تزال تبكي.
أقسم أنها تبكي.
تحت زينتها، تحت الحفلات، تحت ضجيج المقاهي، تحت أحاديث السياسة… هناك بكاء صامت، موجع، لا يسمعه إلا من خسر.
ولا يخسره إلا من كان حيًّا فعلًا.

أربعة آب ليس تاريخًا، بل ندبة نازفة على جسد وطن.
جريمة ما زالت تُرتكب كل يوم بعدم المحاسبة، بالصمت، بالخجل من أن نرفع صوتنا.

نحن لسنا بخير.
ونحن لن نكون بخير، حتى تُقال الحقيقة، حتى يُقال اسم المجرم، حتى نعرف لماذا مات أحبابنا وأصحابنا وأهلنا وأبنائنا.

فهل يسمعنا أحد؟
هل يسمعنا هذا القضاء المكمّم؟
هل يسمعنا هذا العالم المتفرّج؟
هل يسمعنا هذا الوطن الذي ما عاد يشبهنا؟

نحن لا نطلب المستحيل.
نطلب فقط أن لا يمرّ موتهم عاديًا.
أن لا يكون رالف رقمًا، وألكسندرا ذكرى، وسحر صورة والآخرين منسيين بصفة "شهداء" لم يطلبوا الشهادة اصلًا.

نطلب أن يكون الرابع من آب بداية النهاية… لا فقط نهاية البداية.

أسعد نمّور