أزمتنا..الخلل والمخرج.

نبض البلد -
أزمتنا..الخلل والمخرج.

هل هو من عند أنفسنا؟
الهدف: لماذا أصاب الخلل الأمة؟
وما هو سبيل الخروج من هذه الأزمة؟
ولماذا كان هناك تفاوت كبير بين الصحابة أنفسهم؟
ولماذا أخذنا ببعض الكتاب كما يقول الإمام الغزالي وتركنا بعضه؟

هنا أجدني مضطرًا للعودة إلى الآية الكريمة: "قل هو من عند أنفسكم"، و"أنفسكم" تحديدًا ذُكرت في القرآن خمسًا وأربعين مرة: مرة تُعاتب، ومرة تُحاسب، ومرة تُحث، ومرة تُسأل، هذه النفس، "ونفسٍ وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها". ولماذا تم ذكر جذر "النفس" في القرآن مائتين وثمانية وستين مرة؟! ربما تحتاج هذه الآيات إلى كتاب يعرض حالات النفس وأحوالها في القرآن الكريم، وربما يكون هناك كتاب ولكني لم أطلع عليه. فكل آية تمرّ تركز على جانب من جوانب هذه النفس: (لا تُكلف إلا نفسك، ما أصابك من سيئة فمن نفسك، ولا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت، ظالمي أنفسهم، فطوعت له نفسه، النفس بالنفس، بما لا تهوى أنفسهم، تعلم ما في نفسي...).

هل ما أصابنا من عند أنفسنا؟ وهل هناك من يشك في ذلك؟
يذكر التاريخ أن المسلمين في الحروب الصليبية، وفي حرب المغول والتتار وغيرهم، لم يكونوا يومًا أقلَّ في عدد ولا عُدّة، ولكن كانوا أقل إعدادًا من الناحية النفسية والعقدية والجسدية والعسكرية والأممية. نعم، أصابنا الوهن، ونال منّا، وحرصنا على الحياة فحُرمنا منها، وبعد أن كنّا سادة أصبحنا عبيدًا، تتحكم بنا مجالس الأمن وأربابها، ومن يملك القوة والفيتو.

المشاغل اليومية تفرض علينا نمطًا معينًا، وهذا النمط يستهلك الوقت والحياة، وهناك استهلاك من نوع معين تفرضه أنت على نفسك في هذه الحياة لتشغل نفسك ووقتك. فالبعض وضع لنفسه برنامجًا يوميًا يشغل فيه نفسه، بحيث لا يشعر بالضيق أو كثرة الوقت، هو مشغول، ولكنه في الحقيقة ليس مشغولًا؛ فهو يستيقظ في الصباح، يذهب إلى مكان ما ويعود، فهو يستهلك الوقت ولا يستغله، ويحيا في الحياة، ولا تحيا الحياة به. أوجد لنفسه برنامجًا معينًا في هذه الحياة، ولكن هذا البرنامج لا يعود على مجموع الأمة بالفائدة.
تخيل أن المنخرطين في العمل العام من اليهود، والذين هم بكل عددهم في العالم لا يصلون إلى دولة متوسطة من دول العالم العربي، فضلًا عن الإسلامي، ولكن عندما ينشغل كل واحد منّا بنفسه، ولا يخصص جزءًا من نفسه وفكره وماله للأمة، نحصل حتمًا على هذه النتيجة، وتتحكم بنا أوباش البشر وأراذلهم.
فنحن نخلق فردية في الفردانية، ونسعى إلى تقسيم المقسَّم، وتحويل الواحد إلى أجزاء، ونسعى بفخر لذلك، وكأن ذلك هو الذي سيحقق لنا المجد والرفعة والخلود!

لكن مهلًا، من منّا ليس كذلك؟ هناك حركة في الحياة تنضبط وتنسجم مع حركة الكون، مع إرادة الخالق، وهناك حركة للإنسان في الكون، هي في الحقيقة تُعيق الحركة الكونية، والحركة الدينية، والحركة الأممية، وتجعل حركة الحياة البشرية مضطربة.
لكن ما هي هذه الحركات؟ وكيف تؤثر حركة الإنسان في الحركة في الكون؟ ولماذا تكون هذه حركة إيجابية وتلك حركة سلبية؟
لا عجب أن الله أمرنا بالسير في الأرض، في مواقع تتجاوز الثلاثين مرة. لماذا يا ترى؟ ولماذا هذا الأمر بالسير؟
والتفكر الذي ذُكر في كتابه حوالي تسع عشرة مرة، والعقل الذي ذُكر في القرآن في تسعة وأربعين موضعًا؟
ولماذا البحث في سير الأولين، ونبش تاريخهم، والوقوف على قصصهم؟
ولماذا ذُكرت قصصهم في القرآن بتفصيل يتجاوز العبادات بالكثير الكثير؟

وما الهدف من هذا؟
أهو مجرد ذكر وقصص وتسلية؟
فقد ذُكر الله "عاد" ثلاثين مرة، و"فرعون" ثلاثًا وسبعين مرة، و"بني إسرائيل" أربعًا وأربعين مرة، و"موسى عليه السلام" مائة وواحدة وثلاثين مرة.
في المقابل، ذُكرت العبادات في الكثير من المواقف مجملة، حتى الصلاة – وهي عمود الدين – كان الكثير من أمرها مجملًا، وفُصّل في السنة الشريفة.
لماذا تُركت التفاصيل فيها للحديث النبوي والسنن؟
ولماذا قصص عاد وثمود وقوم هود وآل فرعون أخذت كل هذه المساحة؟
ولماذا هذا التركيز الكبير على قصص بني إسرائيل، فيما تم ذكر العبادات بهذا الإجمال، التي نعطيها اليوم كل شيء ولا نلتفت إلى شيء آخر؟

هذا الكلام أثارني، كما أثار الكثيرين قبلي، ومنهم الشيخ الإمام محمد الغزالي، والشيخ يوسف القرضاوي، ومالك بن نبي – رحمهم الله جميعًا –
لماذا حركة الإنسان في المجتمع، ومفاهيم الحضارة، والإنسان، والأخلاق، ودورها في بناء الأمم وانهيارها؟
وقصة الحضارة، وابن خلدون، وميكافيلي، وهيجل، وهوبز، وروسو في "العقد الاجتماعي"، وتفكيك العلاقة بين الفرد والدولة، بين الحاكم والمحكوم، وما هي الحدود المسموحة والتي يتنازل عنها الفرد طوعًا؟ والتي تشمل جزءًا من دخله، وجزءًا من حريته، في سبيل عقد اجتماعي كما قال روسو يُفرض عليه وعلى الآخرين مجموعة من القوانين تحميه منهم وتحميهم منه، وتُحدد حدود الحاكم والمحكوم، ومتى يصبح انحراف الفرد خطرًا على المجتمع فيُوضع قانون وعقوبات، ومتى يصبح انحراف المجتمع خطرًا على الفرد، كما في قصة آل لوط، وعندها يدفع الجميع الثمن.

"قل هو من عند أنفسكم"
الانحراف يأتي بالنهاية للأمة ولو بعد حين.

ولأن ابن خلدون قرأ التاريخ والسنن والآيات، توقّع سقوط دولة الأمويين في الأندلس، وتوقّع بعدها سقوط دولة المماليك في مصر.
وكيف ولماذا اختصر الفقهاء وعلماء الأمة علوم الدين في بعض المفاهيم، ولم يتوسعوا إلى غيرها؟
وظل الفقه الإسلامي رهين المحبسين: السياسة من جهة، وخوف العلماء من جهة أخرى.
مع أن الأهمية العددية والتركيز على الجوانب المختلفة من القصة التاريخية ظل هو ديدن القرآن الكريم في التعامل مع الأمم السابقة.
هل يا تُرى خضع الفقهاء والعلماء – كما يتوقع الإمام الغزالي – للسلطة السياسية في الأمة الإسلامية؟
وكانت القسوة التي أظهرها يزيد، والحجاج، وعبد الملك بن مروان، وما حدث بعدهم من فتن مع ملوك العباسيين – ولن أقول خلفاء – هي السبب؟
فحصر العلماء والفقهاء أنفسهم في فقه العبادات، وآثروا السلامة.

هل كما قال مالك بن نبي: انتهى الدفع الحضاري للأمة في موقعة صفّين؟
ووقفت هنا مع أمر هو متعلق بنوعية الجيل الذي ربّاه الرسول – صلوات ربي عليه – في مكة، والذي هو من حمل هذا الدين، ودافع عن بيضته، واستطاع أن يظل مخلصًا لأهدافه حتى النهاية.
طبعًا هنا أتكلم عن المفهوم الإجمالي لهذا الحِمل، وليس أن من جاء بعدهم لم يقم بدورهم، ولكن عِظَم الدور الذي قاموا به في هذا المجال.

وكيف أن القلاقل والفتن بدأت مع انتشار الإسلام، ودخل فيه من ليس يفقه مقصده وأصوله، ولم يتلقَّ التربية التي تلقتها هذه الثلة في مكة.
وبين نفس ونفس، ومجتمع ومجتمع، تقوم حضارات وأمم وتندثر أخرى.
وهنا – كما هو معلوم – كان التركيز على الفكرة وليس على العبادات.
وأنا لا أُقلّل من شأن العبادات، ولا كل الذين تكلموا بهذا المنهج كان هذا هدفهم.

إبراهيم أبو حويله