نبض البلد - غياب تحديث البيانات الوطنية... هل يعيق رسم سياسات الأمن الغذائي والتغذية في الأردن
بقلم: المهندس سعيد بهاء المصري
في عالم تتسارع فيه الأزمات الغذائية وتتعاظم فيه الضغوط الاقتصادية، باتت البيانات الدقيقة والمحدثة حجر الأساس لصياغة السياسات الفعّالة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة المُلحة لأن يعمل الأردن على تحديث بياناته الوطنية المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذية، ليس فقط للاستخدام الداخلي، بل أيضًا لتضمينها في قواعد بيانات المنظمات الدولية التي تعتمد عليها الدول المانحة ووكالات الأمم المتحدة في التخطيط والتنفيذ والدعم.
لكن الواقع اليوم مختلف. فبحسب تقرير "حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2025 (SOFI 2025)"، لم تُقدِّم الجهات الحكومية الأردنية أي تحديثات لبيانات الأمن الغذائي والتغذية منذ عام 2021، ما اضطر الوكالات الدولية إلى اعتماد تقديرات خارجية نمذَجية لبناء الصورة الخاصة بالأردن حتى عام 2024. هذه التقديرات، وإن كانت تستند إلى أدوات تحليلية دقيقة، لا يمكن أن تحل محل البيانات الوطنية التي تعكس الخصوصية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة.
ويُظهر التقرير الأممي بناء على تقديراتهم أن:
- 34.2% من سكان الأردن (نحو 3.6 مليون شخص) يعانون من انعدام أمن غذائي معتدل أو شديد (استنادًا إلى بيانات 2021–2023).
- آخر بيانات عن تكلفة النظام الغذائي الصحي تعود إلى عام 2021، وبلغت 3.61 دولارًا يوميًا للفرد، وهي من أعلى الكلف في المنطقة، مع تسجيل 24.8% من السكان غير قادرين على تحمّلها.
- لم تُحدّث بيانات سوء تغذية الأطفال بعد 2021، لكن التقرير عبّر عن قلق من معدلات التقزم والهزال، خاصة في المناطق الريفية والمهمّشة.
- التقديرات تشير إلى أن النساء أكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي من الرجال، وكذلك سكان المناطق الريفية ومجتمعات اللاجئين، رغم عدم وجود بيانات أردنية محدثة تدعم أو تنفي هذه الاستنتاجات.
ويؤكد التقرير أن غياب البيانات الوطنية المحدثة قد يدفع إلى رسم سياسات وطنية استنادًا إلى تقديرات دولية غير دقيقة، مما يهدد فعالية تلك السياسات ويُضعف القدرة على توجيه الموارد نحو الاحتياجات الحقيقية.
إن الأولوية العاجلة تتمثل في إعادة تفعيل منظومة الرصد الوطني للأمن الغذائي والتغذية، بما يشمل جمع وتحليل وتحديث دوري للبيانات، وإرسالها إلى مراكز الرصد الأممية، بما يضمن:
- توحيد المؤشرات بين الأردن والجهات الدولية؛
- ضمان توجيه التمويل الدولي نحو أولويات وطنية فعلية؛
- رفع كفاءة التدخلات والسياسات الوطنية في مواجهة الأزمات.
لا يمكن للأردن أن يبني استراتيجيات غذائية فاعلة دون مرآة بياناته الوطنية. وتجاوز هذه الفجوة المعرفية هو شرط أساسي لتحقيق أمن غذائي مستدام وشامل لكافة أبناء المجتمع الأردني