نبض البلد - قرار واشنطن بسحب مفاوضيها من الدوحة، احتجاجًا على رد حركة حماس بشأن الهدنة في غزة، لم يكن مجرد تعبير عن خيبة أمل، بل خطوة مدروسة تحمل في طياتها رسائل متعددة تتجاوز الضغط المباشر على طرف دون غيره. كل طرف يتراقص على حافة الهاوية، محاولًا تعظيم نفوذه واستثمار كل ورقة متاحة في واقع يتغير بسرعة.
الخطوة الأميركية تشي بأسلوب ضغط واضح، يستهدف دفع حماس نحو مرونة أكبر في شروطها، خصوصًا في ظل تصاعد الضغط الدولي والإقليمي. الرسالة هنا لا تحتمل الغموض: الطريق المسدود لن يدوم، والبدائل قد تكون أكثر تكلفة وأشد وقعًا. وفي الوقت نفسه، تشكل هذه الخطوة أداة لتقليل الخسائر السياسية على المستوى الداخلي والخارجي لكل من واشنطن وتل أبيب، إذ تُستخدم للمناورة أمام موجة الانتقادات بشأن الكارثة الإنسانية والمجاعة في غزة، ويتم تصوير "تعنت حماس” كعائق أمام الحل، مما يمنح الكيان فرصة إضافية للتحرك دون تحمل كامل المسؤولية.
كما أن الرسالة الأميركية تصل بصوت مرتفع إلى الداخل الصهيوني ، في محاولة لطمأنة شارع غاضب يطالب بإنهاء الحرب وإعادة الأسرى، مشيرة إلى التزام واشنطن بالمضي قدمًا في هذا المسار، ومُلقيًة باللوم على الطرف المقابل عند كل تعثر.
ومع ذلك، لا يخلو المشهد من مفارقات لافتة، كتوصيف الكيان لرد حماس بأنه "إيجابي”، مما يعكس إما تباينًا داخل مراكز القرار أو محاولة متعمّدة لإبقاء بصيص أمل في استئناف الحوار ، أما "الخيارات الأخرى” التي تلوّح بها واشنطن لإطلاق الأسرى، فتتراوح بين تعزيز الضغط على الوسطاء، وفرض إجراءات عقابية إضافية، وصولًا إلى تلميحات بإمكانية التصعيد العسكري.
السيناريوهات المقبلة تبقى غامضة، لكنها تدور في فلك التوازن المرهف. فقد نرى عودة حذرة إلى طاولة المفاوضات، بعد فترة من التجميد التكتيكي والتنازلات المحدودة، تحت ضغط الواقع الإنساني والتدخلات الدولية. أو نشهد تصعيدًا عسكريًا محدودًا، خصوصًا في رفح، لإحداث تغييرات ميدانية تُرغم حماس على تعديل مواقفها. لكن الاحتمال الأخطر يبقى في استمرار الجمود، الذي من شأنه أن يُفاقم المأساة الإنسانية ويفتح الباب أمام تصعيد إقليمي لا تُحمد عواقبه.
في نهاية المطاف، كل خطوة تُتخذ في هذه الأزمة ليست مجرد ردة فعل، بل مناورة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة النفوذ في غزة .