جزارون في "كيان" الدم ... (( 10 ))
طريقُ الإبادةِ مفتوحٌ ومقصلةُ التجويعِ منصوبةُ وغزة بمرحلةَ ما بعد الكارثة
المخيلة الأمنية الإسرائيلية: الجائع الفلسطيني قنبلة ديمغرافية مؤجلة.. تبرير للقتل الجماعي
"غزة تُقتل جوعًا".. هكذا يعيد الكيان استخدام أساليب التجويع النازية
الانباط – عبد الرحمن أبو حاكمة
لم يعد قطاع غزة مجرد منطقة صراع، بل أصبح رمزًا حيًا لبشاعة استخدام التجويع كأداة إبادة جماعية، ففي ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة يعاني سكان القطاع من أزمة غذائية خانقة، تفاقمت على مدار عقود نتيجة حصار صهيوني خانق يُعتبر من أشد وأقسى الحصارات في العصر الحديث، حبث يُستخدم الجوع وسلب مقومات الحياة كسلاح قهر وتجويع ممنهج يستهدف إبادة شعب كامل لتتجه الأوضاع نحو كارثة مجاعة حقيقية تهدد حياة نحو 2.4 مليون إنسان بينهم مئات الآلاف من الأطفال الذين يُعانون من الجوع والأمراض.
ومع تفاقم المجاعة ووصولها لمستويات خطيرة بفعل استمرار الحصار الخانق الذي تفرضه "إسرائيل" على القطاع تتضاعف فصول المعاناة، ففي هذا الشريط الساحلي الضيق، لا غذاء ولا دواء، ولا ماء، بل أجساد أنهكها الجوع، وآخرون يسقطون أرضًا ويفقدون وعيهم، وأعداد غير مسبوقة من كافة الأعمار تصل المستشفيات في حالة إجهاد وإعياء شديدين بفعل المجاعة وسوء التغذية.
وبحسب تقارير، فقد استشهد العشرات بسبب الجوع وسوء التغذية الحاد، فيما يواجه نحو 700 ألف طفل تحت الخامسة عشر المجاعة خلال أسابيع، وتؤكد إحصاءات حديثة، إن 4% من ضحايا العدوان هم من كبار السن، الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لانعدام الرعاية وفقدان الدواء والغذاء وضعف القدرة على الحركة.
أيديولوجيا التجويع وفتاوى الحاخامات
قد لا توجد فتوى دينية صريحة في العقيدة اليهودية تبرّر قتل الجائع، لكن في البنية الأيديولوجية للكيان الصهيوني، يتم التعامل مع الفلسطيني -حتى في لحظة الجوع- كعنصر خطر أو فائض وجودي يجب تحييده، ففي الأدبيات التوراتية التي يُستعاد منها الكثير في الخطاب القومي الصهيوني، تظهر نماذج لتجويع الشعوب "المعادية" كوسيلة تطهير إلهي، وتُعاد تأويلها أحيانا على يد حاخامات لتبرير العقاب الجماعي.
وفي هذا السياق، يقول الحاخام دوف ليئور: "في الحرب، لا فرق بين المدني والمقاتل، لأنهم جميعا يشكلون بيئة عدائية"، وتتقاطع رؤية الحاخام مع العقيدة العسكرية الصهيونية المعروفة بـ"عقيدة الضاحية"، التي تُعامل المجتمع كله باعتباره ساحة قتال، مما يجعل من طوابير الطعام أهدافا مشروعة في العقل الأمني الجامد، أما في الخطاب السياسي، فقد شاعت أوصاف تحقيرية للفلسطينيين، مثل "الجرذان" أو "الحيوانات البشرية"، وهو ما يعمّق نزع الإنسانية عنهم، ويمنح القاتل تبريرا نفسيا مريحا لقتلهم بأي طريقة، وهكذا يتحول الجائع الفلسطيني في المخيلة الأمنية الإسرائيلية إلى قنبلة ديمغرافية مؤجلة، لا إلى إنسان يجب إنقاذه.
من هنا.. اقتضت حرب الإبادّة إجماعًا صهيونيًا على سياسة تجويع، وظهر ذلك جليا في قيام صهاينة بمنع شاحنات المعونة والمساعدات المتوجهة إلى الفلسطينيين في القطاع، كما تتضح بصورة لا تقبل الشك في تصريحات مسؤولي الاحتلال الذين لا يخفون نواياهم ولا يبذلون أي محاولة للتمويه، ويرددون علانية دون أي خوف، وهذه بعض الردود والأدلّة على استخدام التجويع عمداً كوسيلة إبادة جماعية، وعقاب جماعي يمارسه الاحتلال الفاشي وقادته، وفي مقدمتهم، رئيس وزرائه نتنياهو الذي قال، لـ CNN، "إن إسرائيل تحرم غزة من الوقود منذ 7 أكتوبر لتعزيز موقف "إسرائيل" عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع حماس بشأن إطلاق سراح الرهائن.
التجويع والتعطيش والعقاب الجماعي.. أداة ضغط
في 9 أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير الحرب يواف غالانت، "إن إسرائيل ستفرض حصاراً كاملاً على غزة.. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا غاز، كل شي مغلق، واضاف: "نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك"، وفي 11 أكتوبر، قال وزير الطاقة يسرائيل كانتس، بأنه أمر بقطع الكهرباء والمياه، وأضاف: "لسنوات، قدّمنا الكهرباء والماء والوقود، وأرسلوا آلاف الحيوانات البشرية للذبح والقتل، لهذا قررنا قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود، سنواصل فرض حصار مُحَكم"، وفي 12 أكتوبر، صرح كانتس، لن تقدم أي مساعدات إنسانية إلى غزة ولن يتم تشغيل الكهرباء ولن يُفتح أي صنبور ماء ولن نسمح بدخول شاحنات الوقود.
وفي 17 أكتوبر، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قال: "طالما أن حماس لا تطلق سراح الأسرى، فإن الشيء الوحيد الذي يحتاج إلى دخول غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات، وليس غراماً من المساعدات الإنسانية"، وفي 4 نوفمبر، أعلن وزير المالية بيسلئيل سموتريتش "يجب عدم السماح بدخول الوقود إلى غزة تحت أي ظرف"، وفي فيديو، قال العقيد بار شيشت، نائب رئيس الإدارة المدنية، من غزة: "أي شخص يعود إلى هنا، إن عاد، سيجد أرضاً محروقة، لن يجد بيوتاً، زراعة، أو أي شيء ليس لديهم مستقبل".
ان هذه التصريحات وغيرها تشير إلى استراتيجية صارمة تتجاهل كلياً الاعتبارات الإنسانية والقانونية والمواثيق والمعاهدات الاممية وتستخدم التجويع والتعطيش والعقاب الجماعي كأداة ضغط، ولهذه السياسة جذورًا واضحة منذ نشوء دولة الكيان ووضعها الفلسطينيين الباقين منذ عام 1948 تحت الحكم العسكريّ، حيث وجدت ملامح سياسة دفعت بالفلسطينيين إلى حافة الجوع، وأيضًا صودرت منهم شروط تأمين الغذاء والطعام لعائلاتهم.
من "الحمية القسرية" إلى المجاعة الكاملة
وتعود جذور هذه الأزمة إلى أوائل التسعينيات، عندما بدأ الكيان بفرض قيود صارمة على الحركة والعمل، مما أدى إلى تفاقم الفقر والبطالة إلى 70%. كما أدت السياسات العقابية، مع تصاعد الانتفاضات الفلسطينية إلى تحويل غزة إلى سجن مفتوح يُعاقب سكانه بالجوع والحرمان، مما فاقم الأزمات المتكررة في الأمن الغذائي وزاد من معاناة السكان، واستغل الكيان تفاقم أزمة الانقسام الفلسطيني عام 2007، ليدخله في حصار أشد قسوة، حيث فرض ما يعرف بسياسة "الحمية القسرية"، إذ قيد كمية المواد الغذائية، وتم إدخالها بشكل مدروس بحيث لا تصل إلى حد المجاعة الكاملة، وإنما تخلق معاناة متواصلة، وحرماناً شبه كامل.
وتصاعدت الكارثة بشكل غير مسبوق مع العدوان الصهيوني في اكتوبر 2023، حيث شن الاحتلال هجوماً شاملاً دمر خلاله الأراضي الزراعية والمزارع الحيوانية، وعطل شبكة الصيد والبنية التحتية الأساسية، وصولا لقيام الاحتلال بمحاصرة القطاع تماماً ومنع دخول المساعدات الإنسانية، ومنذ ذلك التاريخ، يتعرض القطاع إلى واحدة من أقسى حملات الحصار والتجويع الجماعي في العصر الحديث، بحسب توصيف منظمة العفو الدولية، وهذا بدوره دفع منظمة الصحة العالمية إلى تصنيف نصف السكان في حالة انعدام أمني غذائي "طارئة"، بينهم ربع السكان في حالة "كارثية"، وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: "ما نشهده في غزة هو تحطيم منظم لأبسط مقومات الحياة، وتجويع قسري يُستخدم ضد المدنيين، ان إطلاق النار على الجوعى أمرٌ مروّع وغير مبرر تحت أي ظرف".
بين "مرض التجويع" في وارسو وما يقوله أطباء غزة
قبل ثمانين عاماً قامت مجموعة من الأطباء اليهود في الحي اليهودي بمدينة وارسو بتوثيق أثار الجوع على جسد الإنسان، حيث اختاروا لكتابهم عنوان "مرض التجويع"، كتب فيه الطبيب في المشروع، إسرائيل ميليوكوفسكي:"أمسك قلمي بيدي والموت يرمقني بعينيه داخل حجرتي.. في خضم هذا الصمت المهيمن تكمن قوة وعمق ألمنا والأنين الذي سيهز ضمير العالم يوماً ما."
هذا هو بالضبط ما يقوله الأطباء في غزة اليوم فهم يعالجون الصغار الذين لم يتناولوا طعاماً منذ أيام، يشاهدون الرضع يموتون وقد غارت عيونهم وبرزت ضلوعهم، يخاطبون عالم لا يسمع.
ذلك اليوم هو الحاضر الآن، بعد أن رأوا منازلهم ومدارسهم ومخابزهم تمسح عن وجه الأرض، وبعد أن أجبروا على النزوح المرة تلو الأخرى، يحملون الصغار على أكتافهم، ويجرون المسنين في الكراسي المتحركة، وبعد أن تحولت عائلات بأسرها إلى رماد ها هم يحرمون الخبز، فأهل غزة لا يخضعون للتجويع فحسب، بل يتم تجريدهم من آخر ما تبقى لهم، تنزع منهم كرامتهم، إنهم يعاملون كأسوأ مما تعامل به الدواب، يتم تصيدهم كلما تجمعوا، وتطلق عليهم النيران كلما جلسوا يتناولون طعاماً، ولأن "إسرائيل" لا تكتفي بسحق أجساد الفلسطينيين، تريد أن تسحق أرواحهم كذلك، أن تمسح ليس فقط وجودهم، وإنما أيضاً أرادة البقاء لديهم.
رمز لانهيار النظام الأخلاقي العالمي
ويرى محللون أن الهدف الأعمق للكيان من قتل المُجَوَعين هو كسر المجتمع وتفكيك النسيج المدني، كما أن قتل المدنيين في طوابير المساعدات ليس فقط مجزرة جسدية، بل هو اغتيال معنوي ونفسي للمجتمع الفلسطيني، لتجريده من الكرامة والبقاء، ولدفعه إلى الانهيار الكامل، كتمهيد لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي والسياسي، مؤكدين أن "إسرائيل" تقتل هؤلاء لأنها تريد فرض إرادتها بالقوة على مجتمع محاصر، فهي تدرك أن الطعام، مثل السلاح، يمكن استخدامه لتفكيك الخصم أو إذلاله، "إنها حرب ضد فكرة الإنسان الفلسطيني، وضد بقائه."
رغم أن بعض القادة الغربيين أعربوا عن قلقهم من "الخسائر الإنسانية"، فإن كثيرا من حكومات الغرب لا تزال تدعم آلية توزيع المساعدات بالتنسيق مع الاحتلال، مما يطرح سؤالا: هل أصبح الغرب يشارك -بالصمت أو الدعم- في جريمة تجويع وقتل المدنيين في غزة؟ وتجيب الباحثة في معهد الدراسات الدولية في جنيف، إليزابيث بروسيت: "الغذاء الذي يُمنح ضمن شروط الاحتلال بات رمزا لانهيار النظام الأخلاقي العالمي، و"إسرائيل" تستغل هذا الانهيار لفرض شروط استسلام جماعي".
في السياق، وصفت المنظمات الحقوقية الوضع بأنه "موجة موت صامتة"، حيث يرتفع عدد الوفيات يوميًا بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية، وأشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري إلى أن هذه السياسات تمثل "إبادة جماعية وتجويع وجريمة ضد الإنسانية، مؤكداً أن آثار هذه السياسات ستستمر لأجيال، وأن الاحتلال يستخدم المجاعة كسلاح حرب ممنهج، فيما اصدرت محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق كبار المسؤولين الصهاينة، متهمة إياهم باستخدام التجويع كسلاح في الحرب والهجوم على قوافل الإغاثة بشكل متعمد. وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إن الجوع يُستخدم سلاحاً في غزة، وكثيرون يفقدون الوعي في الشوارع من نقص الغذاء، وعدم توفر مياه شرب كافية، مكررة مطالبتها بضرورة إيصال المساعدات إلى غزة بشكل آمن، بإشراف الأمم المتحدة بشكل عاجل.
"كمائن مكشوفة".. وشهادات موثقة
منذ أواخر أيار 2025، تم تفعيل ما يُعرف بـ"آلية المساعدات الأميركية الإسرائيلية"، التي تعتمد على نقاط توزيع محددة داخل القطاع، تُحدَّد بالتنسيق مع جيش الاحتلال وتُروَّج لها كـ"ممرات إنسانية"، لكنها تخضع بالكامل للمراقبة النارية منه، وفي كثير من الحالات، ما إن يتجمع طالبوا المساعدات قربها حتى تتحول إلى كمائن مكشوفة، يسقط فيها العشرات بين شهيد وجريح برصاص مباشر أو قصف مفاجئ، مما يفنّد زعم وجود حماية إنسانية في تلك المواقع.
ويرى مراقبون أن استهداف طوابير المساعدات يخدم أغراضا للاحتلال، أبرزها: ترهيب السكان ومنع التجمعات وإذلال الناس وربط البقاء بقبول شروط الاحتلال وتفكيك التضامن الداخلي وتحويل الغذاء إلى أداة تحكم، مشيرين الى ان المساعدات التي تقدم باسم "مؤسسة إنسانية امريكية" تحولت إلى مصيدة وبات الجوع ذريعة للقتل، ويقول الباحث في القانون الدولي مايكل لينك، المقرر الأممي السابق لفلسطين: "حين يُقتل الناس وهم يركضون وراء شاحنة طحين، فهذه ليست حالة فوضى، بل سياسة ممنهجة تسعى إلى إذلال الإنسان الفلسطيني وطمس كرامته".
في حين هناك من يرى أن استهداف منتظري المساعدات يهدف أيضا إلى تقويض جهود الإغاثة الدولية، وإجبار السكان على النزوح أو تغيير الواقع الديمغرافي في القطاع، إضافة إلى الضغط على المقاومة سياسيا وعسكريا، وتعكس وحشية استهداف منتظري المساعدات في غزة إستراتيجية متعمدة لإخضاع السكان عبر التجويع والقتل، تبرربادعاءات واهية، بينما تؤكد الوقائع والشهادات أن الهدف هو الضغط الجماعي والسيطرة، في ظل غياب أي رادع دولي فعال.
ونشرت صحيفة هآرتس تحقيقا موسعا في 10 حزيران، أشارت فيه إلى أن التعليمات الصادرة من قيادة الجيش تسمح "بفتح النار في محيط نقاط التجمع إذا تم الاشتباه بوجود عناصر غير منضبطة أو تهديدات محتملة"، وهذا ما وصفه خبراء بأنه ضوء أخضر لإطلاق النار دون تمييز.
من جهتها، تقول منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها في 5 حزيران: "العديد من حالات القتل في مواقع توزيع المساعدات لم تشهد أي اشتباك، المدنيون أُطلق عليهم النار أثناء ركضهم نحو شاحنات الغذاء أو بعد تجمعهم في الساحات، بعضهم قُتل أثناء محاولته العودة بما حصل عليه"، وفي شهادة موثّقة قدّمها الدكتور ثائر أحمد، طبيب الطوارئ الأميركي المتطوع مع منظمة "ميدغلوبال"، الذي عمل في مستشفى ناصر بخان يونس خلال كانون الثاني شباط 2024، أكد أن طبيعة الإصابات التي وصلت إلى المستشفى تشير إلى نمط استهداف ممنهج، "العديد من الإصابات كانت ناجمة عن طلقات دقيقة في الرأس والصدر وأخرى من مسيّرات استهدفت حتى الطواقم الطبية"، وأضاف أن هذه الجروح لم تكن نتيجة قصف عشوائي أو اشتباك، بل "أشبه بعمليات قنص متعمد لأجساد المدنيين في نقاط ضعف قاتلة".
ألعاب الجوع .. جرائم يومية
ويقدر المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو أن إصرار الولايات المتحدة و"إسرائيل" على التخلص من الأمم المتحدة في غزة قد تسبب في مقتل مئات المدنيين أثناء توزيع "المساعدات غير الإنسانية" هناك، وأوضح، القطاع لم يصبح فقط "مقبرة جماعية للفلسطينيين ومن يهبون لمساعدتهم" -كما تدين المنظمات الإنسانية- ولا حتى مجرد فخ للموت- حسب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، بل تحول إلى مختبر يطور فيه أمام أعين عالم عاجز أو متواطئ، واقع بديل مجرد من جميع قواعد القانون الدولي.ويضيف، مع أن "إسرائيل" تأسست عام 1948 بناء على قرار من الأمم المتحدة، فإنها دأبت على محاولة تقويض المنظمة عبر حملة ممنهجة لتشويه سمعتها، وشجعتها في ذلك الولايات المتحدة التي تريد وضع "مرجعياتها" بدل قرارات الأمم المتحدة الملزمة، معتبرا ان إصرارهما على التخلص من الأمم المتحدة بأنه جزء من مخطط ضخم لهدم القانون الدولي في عالم يرزح تحت رحمة المفترسين والمعاملات التجارية، وعلى هذا الأساس أنشأ البلدان "مؤسسة غزة الإنسانية" التي يفترض أنها تقدم الحد الأدنى من المساعدة للمنكوبين، ولكن سرعان ما وصفت هذه المؤسسة بأنها "غير إنسانية" بسبب عمليات القتل التي تخللت توزيع المساعدات، والتي نفذت تحت نيران الجيش، كما ان مرتزقة من شركات "أمنية" أميركية استخدموا الذخيرة الحية.
وبذلك ومع مرور نحو 22 شهرا على بدء حرب الابادة بات من المؤكد القول: "لم تعد الحرب تُخاض فقط بالمدفع والصاروخ، بل أيضا عبر سلاح التجويع، الذي يتطور ليغدو قاتلا في حد ذاته، حيث قتل المئات أثناء انتظارهم أكياس الطحين أو صناديق المساعدات، وبات العدُّ لشهداءَ وجرحى ومفقودي قطاعِ غزة، لا يتوقفُ، فطريقُ الإبادةِ مفتوحٌ دون سقف، ومقصلةُ التجويعِ المنصوبةُ للغزيين تجرُّهم نحوَ مصائدِ الموتِ عند حافةِ الغذاءِ المُحاصر، ومثلما يحترقُ الأطفالُ على الهواء يقضي آخرون بالجوع في أحضانِ أمهاتِهم، ومحرقةُ خيامِ النازحين أيضا قائمة، ليدخلُ القطاعُ مرحلةَ ما بعد الكارثة.
*** إنها مجاعة القرن الحادي والعشرين، تُبث على الهواء مباشرة، ويُوثّقها الأطفال بأجسادهم النحيلة، والآباء بعيونهم الممتلئة بالقهر، والأمهات بصمت يختزن وجع البشرية كلها***.