ما المطلوب عربيا لمواجهة إعادة تشكيل الشرق الأوسط

نبض البلد -
اللواء المتقاعد هلال الخوالدة
يشهد الشرق الأوسط اليوم واحدة من احلك الظروف واصعب المراحل في تاريخه الحديث، حيث تتسارع التحولات السياسية والأمنية والاقتصادية بشكل غير مسبوق، في ظل صراعات دولية وإقليمية تحتدم على النفوذ، ومحاولات مستمرة لإعادة رسم خرائطه الجغرافية والديمغرافية والسيادية.
​يبدو واضحاً أن ما يُخطط للمنطقة لا يراعي مصالح شعوبها ولا يحترم خصوصياتها الحضارية والثقافية، بل يسعى إلى تفكيكها وتفتيتها وإضعاف قواها الذاتية خدمة لمصالح الدول الكبرى التي تتشابك مصالحها على جغرافية الشرق الأوسط .فما هو المطلوب عربيا لمواجهة هذه التحولات؟هل نكتفي بردود الأفعال؟ أم نسعى لبناء استراتيجية متكاملة تعيد للأمة العربية قدرتها على التأثير وحماية مصالحها وكياناتها؟.
​إن مستقبل المنطقة يجب أن يكون للعرب فيه دور فاعل وموقف موحد، يستند إلى وعي استراتيجي بالمخاطر والفرص، وإلى إرادة سياسية قادرة على تجاوز الانقسامات وإعداد رؤية شاملة ومتكاملة تعيد التوازن للموقف العربي، ولذلك وجب من ما يلي:
​صياغة رؤية عربية استراتيجية موحدة من خلال إنشاء مجلس تنسيقي عربي عالي المستوى لرسم السياسات الكبرى في قضايا الأمن، الاقتصاد، الطاقة، والمياه ،واعادة تعريف المصالح العليا للأمة العربية بما يتجاوز الحدود القطرية الضيقه ، إعادة هيكلة وتفعيل جامعة الدول العربية وتحويلها الى جسم فاعل استراتيجي وليس شكلي.
​بناء منظومة أمن قومي عربي ولا يكون ذلك الا بتأسيس تحالف أمني عربي دائم فاعل وحقيقي وقادر على حماية المصالح والسيادة العربية من التدخلات الإقليمية والدولية وتعزيز الردع الاستراتيجي العربي عبر توحيد الصناعات الدفاعية والتعاون الاستخباراتي، وإنشاء قوة تدخل سريع عربية مشتركة لحماية ومساندة الدول المهدده في جميع الازمات التي تواجههاومنع التدخلات الأجنبية .
​زيادة القدرة في أدوات التاثير الناعمة والسيطرة عليها وتوحيد الرواية العربية تجاه القضايا المصيريه ولا يأتي ذلك الا من خلال دعم قيام إعلام عربي موحد ومستقل وفاعل يتحدث بخطاب سيادي جامع ويفضح مشاريع التقسيم وإعادة الهيكلة،والاستثمار في التعليم، وتقوية الهوية العربية، والوعي القومي لتحصين الجبهة الداخلية العربية، واستخدام التاثير العربي في الدول المجاورة مثل إفريقيا، آسيا، وأوروبا لخدمة المصالح العربية الاستراتيجية .
​التكامل الاقتصادي العربي من خلال بناء رؤية اقتصادية عربية مشتركه ودعم اقامة (مناطق صناعية – زراعية – تكنولوجية بالاعتماد على الاكتفاء الذاتي من الموارد المختلفه بين الدول،وتقليل التبعية للأسواق العالمية التي أصبحت تعتبر الشرق الأوسط والامه العربية بالذات اكبر سوق مستهلك ، وإنشاء سوق عربية مشتركة فعّالة وحقيقيه ، وتوحيد السياسات في مجال الأمن الغذائي، الطاقة، والموارد الطبيعة وتنفيذها على الأرض .
​ إدارة التحالفات الدولية بمختلف انواعها السياسية والأمنية والاقتصادية ..... الخ بذكاء من خلال وقف الارتهان الأعمى للغرب أو الشرق، والتحرك وفق مصالح استراتيجية مستقلة، وزيادة الاعتماد على مسارات جديدة مع قوى صاعدة (كالصين، الهند، روسيا) وبما يخدم مصالح العرب ودون التفريط بالعلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا ، وفرض الشروط العربية في أي مشروع تسوية أو صفقة دولية تتعلق بالمنطقة.
​تحصين الداخل العربي ضد الفوضى والتفكك من حلال إنهاء النزاعات الداخلية (مثل ليبيا، اليمن، السودان، سوريا....الخ) عبر حلول عربية لا وصايات أجنبية، معالجة الاختراقات الطائفية والعرقية والجهوية التي تُستخدم لإعادة رسم الخرائط، تعزيز الهوية الوطنية والقومية لمنع تفكيك الدول العربية إلى كيانات طائفية أو عرقية واستغلال الظروف الحالية من تراجع بعض الدول والتي كانت تشكل تهديدا.
​ تحويل التحديات إلى فرص : استخدام التحولات الجيوسياسية لإعادة تموضع العرب في النظام الدولي الجديد، الاستثمار في الممرات الجديدة (كطريق الحرير) وربطها بالموانئ والمراكز اللوجستية العربية دون الالتفات الى التنافس الغربي مع الصين او الضغوطات الامريكية وهذا حق الدول في الحفاظ على مصالحها المختلفة ، تعزيز دور العرب في ملفات الطاقة والغاز والموارد باعتبارها أوراق ضغط استراتيجية واستغلالها لحماية المصالح العربية وليس لجلب الأموال فقط .
​واخيرا ان إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليست قدَرًا محتوماً، بل معركة إرادات لذلك تعتبر المواجهة والصمود والتكاتف لمنع التحولات التي لا تخدم العرب ضرورة والمطلوب من العرب أن يتحركوا وفق رؤية استراتيجية واعية وشجاعة تحفظ الهوية والسيادة، وتُبقي للعرب مكانة فاعلة في صناعة المستقبل.