الأحزاب السياسية في الأردن: بين التقييم المجتمعي وضرورة التحول البنيوي

نبض البلد -

بقلم: سعيد المصري

 

دخلت الأحزاب السياسية الأردنية، التي تأسست وفقًا للقوانين النافذة، مرحلة تقييم شاملة من مختلف أطياف المجتمع، في ظل تساؤلات متزايدة حول فاعلية هذه الأحزاب ومدى قدرتها على أداء دورها الوطني والسياسي المنشود.

 

وقد بات من الواضح، من خلال الاستماع إلى آراء العديد من السياسيين المخضرمين، أن هناك حالة من الإحباط إزاء أداء قيادات هذه الأحزاب، نتيجة استمرارها في اعتماد الأساليب التقليدية للمشاركة العامة، دون السعي لإحداث تحول نوعي في العمل الحزبي.

 

في معظم الحالات، تكتفي هذه الأحزاب بإصدار بيانات داعمة لقضايا وطنية تحظى أصلاً بإجماع شعبي، ما يجعلها تبدو وكأنها تتسابق في عرض خطابي لا يضيف جديدًا إلى المشهد، ولا يُميز حزبًا عن آخر من حيث الرؤية أو الموقف.

 

وكان من المفترض أن تتطور هذه التجربة الحزبية، لا سيما بعد أن تمكنت بعض الأحزاب من دخول البرلمان، في حين بقيت أخرى خارجه، إلا أن الأداء ظل على حاله دون اختلاف ملموس في التأثير السياسي أو التشريعي.

 

وفي الدورة البرلمانية الأخيرة، شارك ممثلو بعض الأحزاب في مناقشات مشاريع القوانين، لكنهم لم يتجاوزوا الدور التقليدي في الإبداء بالرأي دون تقديم مبادرات تشريعية نوعية تعكس هوية الحزب وتميزه البرامجي.

 

أما الأحزاب غير الممثلة تحت القبة، فقد غابت عن المشهد العام، مما يدل على ضعف آلياتها الاتصالية مع الجمهور وغياب الفاعلية السياسية خارج الإطار النيابي.

 

إن هذا الغياب يعكس نقصًا بنيويًا في البنية البرامجية للأحزاب، إذ تفتقر غالبيتها إلى وثائق مكتوبة توضّح توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتُعرّف الناخبين بدورها المحتمل في حال توليها السلطة أو المشاركة في الائتلافات الحكومية.

 

في هذا السياق، تبرز أهمية تطوير البرامج الحزبية وبلورة لوائح سياسات واضحة تُناقش وتُقر من خلال الهياكل التنظيمية الداخلية للحزب، لتعكس رؤية جماعية وليس اجتهادات فردية.

ومن الضروري أيضًا أن تبادر الأحزاب إلى إنشاء مراكز فكرية أو صالونات سياسية تابعة لها، تُعنى بتنظيم جلسات عصف ذهني مع قواعدها وجمهورها في مختلف المحافظات. وتهدف هذه الجلسات إلى جس نبض الشارع والتعرف على القضايا الأكثر إلحاحًا وتأثيرًا في حياة المواطنين، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية. ومن خلال هذا التفاعل المباشر، يمكن للأحزاب صياغة سياسات واقعية تعبّر عن نبض المجتمع، والعمل على تبنيها والدفاع عنها ضمن مؤسسات الدولة ومرافقها، وفي ساحات النقاش العام، بما يعزز صلتها بالمجتمع ويمنحها المصداقية والقدرة على التأثير الفعلي.

 

 

كذلك، من الضروري أن تنشئ الأحزاب وحدات داخلية متخصصة في كل من الشؤون السياسية، والاقتصادية، والتعليم، والصحة، والطاقة، والخارجية، والبيئة، وغيرها من الملفات الوطنية، بحيث تكون هذه الوحدات قادرة على قيادة ما يُعرف بـ"حكومة الظل".

 

إن "حكومة الظل" ليست ترفًا تنظيميًا، بل أداة مهمة للتقييم الموازي لأداء الحكومة، وتقديم مقترحات عملية بديلة، وهي ممارسة ديمقراطية معمول بها في العديد من البرلمانات العريقة مثل بريطانيا وكندا وأستراليا.

 

وبرغم طرح فكرة "حكومات الظل" مرارًا على الأحزاب الأردنية، فإن التجاوب معها ظل محدودًا، ربما لأسباب تتعلق بالخوف من تحمل المسؤولية السياسية أو غياب الكوادر التخصصية المؤهلة.

 

إن بلورة سياسات حزبية متفق عليها بين أعضاء الحزب، وتكليف مختصين ببحث هذه السياسات والتفاعل مع الحكومة أو مع الأحزاب الأخرى، أو حتى طرحها للنقاش مع القواعد الشعبية، هو السبيل الوحيد لإنضاج الفكر السياسي الحزبي، وتشكيل شخصية اعتبارية متميزة لكل حزب على قاعدة السياسات لا الأشخاص.

 

هذه المنهجية ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة وطنية تشمل كل الأحزاب المسجلة رسميًا لدى الهيئة المستقلة للانتخاب، وتشكّل نقطة الانطلاق نحو حياة حزبية فاعلة ومؤثرة في مسار الدولة الأردنية.