وعي إعلامي جيد يمكن البناء عليه

نبض البلد -

حاتم النعيمات

خلال المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل شُنت على الأردن حملات إعلامية شرسة كالعادة، لكن في المقابل كان هناك رد فعل جيد من الأردنيين ضد هذه الحملات؛ والسبب باعتقادي هو حالة الخوف على الاستقرار الأردني التي بدأت بعيد الربيع العربي وتركزت بعد السابع من أكتوبر. إذا كان هناك ترصّد مُزمن للأردن ومواقفه وصل في الكثير من الأحيان إلى الافتراء البواح.

ما حدث مطمئن رغم خطورته، وطريقة تعاطي معظم الأردنيين مع المشهد كانت جيدة، رغم وجود نسبة من الذين ما زالوا يصرّون على التمسُّك بروايات التخوين الكلاسيكية المقذوفة من القرن الماضي. والمميز في هذه التغيِّرات منقلبة عن تغيُّرات اجتماعية تجريبية اختمرت على مدار أجيالٍ وسنين، ولم تكن مفروضة سياسيًا. لذلك فنحن أمام وعي متنامٍ راسخٍ له قاعدة ولن توقفه أي قوة.

بعض هذه المؤسسات الإعلامية بدت مرتبكة أمام هذا الوعي خلال الأحداث الأخيرة، وتكررت على صفحاتها التصحيحات والتراجعات (إن صح التعبير)، وبعضها الآخر بدأ بتقديم شروحات مهنية للمتلقي الأردني كنوع من الاسترضاء، وجزءٌ آخر شرَع بعملية "تصويب الأوضاع" مع الدولة الأردنية بعد حظر أو إيقاف. هذه أمور مثبتة بالأدلة وأصبحت معروفة.

أعتقد أن هناك محصول من المكاسب على الجبهة الإعلامية يجب حصاده بأسرع وقت، من خلال التجسير بين الوعي الشعبي الجديد والمنظومة الإعلامية الرسمية بحيث يتم تحويل هذا الوعي إلى ركن من أركان الخطاب العام للدولة الأردنية. وقد يعترض البعض على ذلك لأن النظرية الإعلامية الحديثة تقوم على تجنُّب الإعلام الرسمي باعتباره رجعي، وهذا صحيح إلى حدٍ كبير في معظم دول العالم وليس في الأردن الذي يحارب بالفعل على هذه الجبهة منذ عقود طويلة.

المأمول اليوم هو أن يتم توسيع مجال مؤسساتنا الإعلامية والمنصات الإلكترونية الأردنية بدعم من الدولة لتصل إلى كل أرجاء الوطن العربي والعالم، فقد وجدت أركان مهمة لإنجاز ذلك كالوعي الشعبي والكفاءات الفنية والرواية الأردنية المشهودة.

إن انحسار أثر هذه الحملات -إلى حدٍ ما- عن الرأي العام الأردني لا يجب أن يخلق حالة من الاتكالية لدى الجسم الإعلامي الرسمي والخاص، بل أعتقد أن ذلك قد يكون فرصة لثورة جديدة في هذا المجال ولأخذ "كوتة" من الجسم الإعلامي العربي. فنحن من أهم الدول العربية في مهنة الإعلام، وقد شارك العديد من الأردنيين في تأسيس معظم المؤسسات الضخمة التي ترونها اليوم؛ لذلك فإن ما ينقصنا هو أن تقتنع المنظومة الإعلامية بأن المزاج العام تغيّر للأفضل، وأن الفرصة لتأسيس مشروع إعلامي أردني سانحة اليوم.

هناك أدوات كثيرة لتعزيز هذا الوعي الإعلامي الجديد وأهمها دمج الثقافة الإعلامية في المناهج المدرسية والجامعية، وإخضاع التَّلقي الإعلامي عبر هذا الدمج إلى منظومة (الفحص والتحقق والدليل والتبرير) المُستخدمة في الاستدلال العلمي الذي لا يختلف بتصوري عن الاستدلال المعرفي في التفاعل مع المادة الإعلامية في جوهره. ولا أقصد هنا أن يصبح الجميع خبراء في الإعلام والصحافة بقدر ما هو سعي لخلق ثقافة نقدية لما يبث باتجاهنا من الخارج أو حتى من الداخل.

البيئة القادمة في المنطقة ستتغير بانكفاء المشروع الإيراني الذي أوجد واستخدم العشرات من المؤسسات الإعلامية بهدف ضرب استقرار الأردن لإنشاء وصلة جغرافية من العراق إلى الضفة عبر الأردن لإضافتها إلى باقة أذرعه، وقد تحالف هذه المؤسسات مع شبكة الإخوان المسلمين الإعلامية وبعض شبكات اليسار الفاعلة في المنطقة فكان المشهد صاخبًا جدًا. اليوم هذه الشبكات أصبحت ضعيفة إن لم تكن قد انتهت، لأجل ذلك فالمطلوب هو تحرّك لتعبئة الفراغ بما يتناسب مع مشروع البناء الأردني ومع شكل المنطقة المتوقع.