إيران على أعتاب تحولات جذرية

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

عملت إسرائيل على إزاحة عناصر التيار المتشدد الذين يتولون مواقع سياسية وعسكرية رفيعة في إيران في عمليات اغتيال معقدة، وهي بذلك تُعبّد الطريق أمام التيار الإصلاحي ليأخذ بزمام المبادرة السياسية ويفك اشتباكات إيران مع العرب والغرب في قضايا جدلية لا تقتصر على المشروع النووي أو النفوذ الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية، وإنما تتعدى ذلك لتشمل علاقة إيران بأتباع المذاهب الشيعية في العالم العربي وطموحاتها الإقليمية في إطار مراجعة عميقة وهادئة لبرنامج "الثورة الإسلامية" الذي يدفع الشعب الإيراني إلى اليوم كُلف محاولات تطبيقه داخل إيران أو خارجها، وهذه الثغرة التي تعمل إسرائيل من خلالها على هدم شرعية النظام الإيراني عن طريق تفاعلات داخلية شعبية.

إن استمرار تحرّك إيران على المستوى الاستراتيجي وفق الأحكام التقليدية لـ "الثورة الإسلامية" يُقحم البلاد في أزمات عميقة، وسياسة الصبر الاستراتيجي التي تتبناها السلطات ليست خيارًا شعبيًا معقولًا يمكن التعايش معه؛ فالطموحات النووية تقابلها العقوبات الغربية التي تظهر أعراضها على الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطنين بدليل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وزيادة التضخم، وهبوط الريال الإيراني أمام الدولار. والتمدد الإقليمي يقابله تدهور العلاقات العربية - الإيرانية، والمواجهة العسكرية مع إسرائيل. والانحياز للمعسكر الشرقي يُرسّخ بقاء إيران في "محور الشر" وفقًا للتصنيف الأميركي، وهذا له تبعاته السياسية والاقتصادية والأمنية.

لهذا كله، ومع الأحداث الأخيرة التي تعرضت لها إيران، فإن التيار المتشدد الذي يمسك بمفاصل الدولة ويوجّه سياستها الخارجية سيكون في موضع إدانة داخلية، وسيتم تحميله مسؤولية عزلة إيران الدولية والتحديات التي تواجهها، وهو ما سيوجه ثقة الإيرانيين نحو التيار الإصلاحي الذي سيقدم وصفة الخروج الآمن من الأزمات التي تتعرض لها البلاد.

لا بديل بالنسبة للقوى السياسية الإصلاحية في إيران عن مراجعة "الثورة الإسلامية" لوقف النزيف الذي أصاب شرعيتها، وهذا إن حدث، فإنه سيعيد صياغة المشروع الإيراني بشكل لا يؤدي بالضرورة لطمس هويته الثورية، وإنما لينطلق من أولويات المجتمع التي تركز على الاقتصاد والعدالة الاجتماعية، والحريات والحوكمة الرشيدة، بدلًا من الاستنزاف الخارجي الذي أنهك الموارد وجعل البلاد تنتقل من أزمة إلى أخرى منذ عقود.