عمر كلاب
ليس بحكم أسبقيتها الزمانية, تتصدر الجامعة الأردنية, مشهد الأكاديميا, وتتصدر تراتبية الجامعات على مؤشرات الريادة العالمية, بل بحكم ريادية في عقل قيادتها الحالية, التي أرادت الحفاظ على الريادة التاريخية والحداثية, وهي تقود مشروعًا موازيًا للتقدم الأكاديمي, عنوانه إعادة إحياء القوة الناعمة للدولة الأردنية, فمفهوم القوة الناعمة, القائم على الثقافة والفنون والسياسة, غاب عن عقل الدولة أو لربما طبيعة الإقليم وتقلباته واحداثه, قد فرضت الريادة العسكرية والأمنية التي تفوقت بها الدولة الأردنية, بشكل لافت وملفت, وأظن أن أم الجامعات قد أدركت الانشغال في عقل الدولة, فأرادت أن تقوم بواجبها كجزء رئيس من عقل الدولة, لإعادة إحياء وانبعاث القوة الناعمة.
ولأن اللحن نغمتين متصلتين, أكتب اليوم عن ملتقى الأساتذة الفخريين الثاني, في الجامعة الأردنية والذي جاء تحت عنوان التعليم العالي في عصر التحولات المتسارعة, وحضره 70 أستاذًا فخريًا متميزًا كل في مجال تخصصه, من 25 دولة, فكل واحد منا يستطيع أن يصدر نغمة, على آلة موسيقية, لكن لا يستطيع أن ينتج لحنًا, لأن اللحن كما أسلفت نغمتين متصلتين, وهكذا كان الملتقى, نغمتين من حضور مبدعين من أصقاع الدنيا, وللتمييز, ثمة فرق بين الدكتوراة الفخرية وما شابهها وبين الأستاذ الفخري, فالأستاذ الفخري, هو دكتور أنجز إنجازًا مميزًا في مضمار تخصصه, فحاز هذا اللقب.
وكانت الأردنية الجامعة, هي الأردن بنموذجه الأكاديمي, وهي تطرح أسئلة وجودية, على لسان رئيسها, الدكتور نذير عبيدات في افتتاح الملتقى, عن الواقع الإنساني لدول الجنوب الفقيرة, إذا استحكمت دول الشمال الغنية على الحواسيب الكميوية, وامتلاكها للروح الصناعية, وترك الفقير يزداد فقرًا, وزوال أو تراجع الأمل والأماني, عن مجتمعات تحتاج إلى التغيير ومواجهة تحديات العصر المناخية والذكاء الاصطناعي, والأهم مهو مستقبل القيم الإنسانية أمام هذه الفروقات بين الشمال والجنوب.
استقطاب هذه الكفاءات النوعية, وتشكيل خلية أكاديمية رفيعة المستوى, تعرف الأردن وتحمل أفكاره وتطلعاته, هي بناء أساس في القوة الناعمة, التي تحتاج إلى هذه الكفاءات الأكاديمية, لنقل صورة الأردن ورسم صورته الحقيقية, لعالم بات مسكونًا بمفهوم السيطرة الناعمة, فهم سند استراتيجي للأردن الدولة, التي حافظت على إنسانيتها كجار ومجير, لكل طالب أمان, وهم رافعة أيضًا لتطوير البنية الأكاديمية, التي رفدت الدولة في أزمان سابقة, بكثير من العقول, التي ساهمت في ريادة الدولة وتقدمها على كثير من المسارات.
ولأن نظرية اللحن قائمة على نغمتين, فقد تصدى بالتوازي, مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية, لتأسيس ملتقى عمانو على غرار ملتقيات في عواصم كثيرة, خطوة ستمنح الأردن فرصة استقطاب نخب سياسية واقتصادية وأمنية, في رحابه, ويحمل صورة الأردن, ويستقطب كفاءات لزيادة منسوب المعرفة, التي باتت اقتصادًا بعينها, فثمة ملتقى أكاديمي وآخر سياسي واقتصادي, وكل هذا يخلق القوة الناعمة التي تحتاجها الدولة, في زمن الحروب والافات المتصاعدة مناخيًا وسياسيًا, وثورة صناعية دخلت جيلها الخامس.
خطوات تمشيها الجامعة الأردنية بثبات ووقار, من أجل تكريس دورها كمنارة أكاديمية, تسهم في بناء المستقبل وتعيد إحياء الأمل للجامعات كي تبقى مالكة للقدرة على التمكين ورائدة في استقلالية الفكر.
omarkallab@yahoo.com