الذباب الإلكتروني.. الأردن يواجه التضليل بالثبات على مواقفه المشرفة

نبض البلد -

التشكيك بالموقف الأردني الداعم لغزة.. معركة تواجهها الدولة بالوعي والحقائق

العناني: الذباب الإلكتروني سلاح نفسي لتضليل الشعوب وتشويه الحقائق

الدعجة: الذباب الإلكتروني أخطر من البارود ويُدار بذكاء استخباراتي لتفتيت الداخل

الرجبي: حملات منسقة لتشويه الدور الأردني والمواجهة تبدأ بإعلام محترف وتحالف وطني رقمي

الأنباط – مرح عاصي

رغم تعاقب الأزمات وتشابك التحديات الإقليمية، ظلّ الأردن ثابتًا على موقفه التاريخي والراسخ في دعم القضية الفلسطينية، سياسيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا.

ومنذ تأسيس المملكة، لم تتأخر القيادة الهاشمية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والتصدي لمحاولات تصفية قضيته العادلة، انطلاقًا من التزام وطني وقومي يتجاوز الاعتبارات الظرفية والمصالح الضيقة.

وفي ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من تصعيد وعدوان متواصل، برز الدور الأردني مجددًا كصوت للعدالة وضمير حي في محافل الإقليم والعالم، سواء من خلال التحركات الدبلوماسية المكثفة، أو الجهود الإنسانية المستمرة، أو عبر التأكيد المتواصل على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي ظل الجهود الأردنية المستمرة لنصرة غزة وتقديم الدعم السياسي والإنساني، برزت على منصات التواصل الاجتماعي حملات منسقة تهدف إلى الإساءة لموقف الأردن وتشويه صورته، عن طريق ما يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني”، حيث أصبح أداة خطيرة تُستخدم لتضليل الرأي العام وبث الفتنة، خصوصًا في أوقات تتطلب فيها الساحة الداخلية أقصى درجات التماسك والوعي الوطني.

الذباب الإلكتروني ودوره في تضليل الرأي العام

وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الأسبق الدكتور جواد العناني، أن الذباب الإلكتروني أصبح أداة فعالة في الحروب النفسية والإعلامية التي تُشن بين الدول، حيث يتم استغلال التطور التكنولوجي لنشر معلومات مضللة أو كاذبة، غالبًا ما تستند إلى وقائع حقيقية يتم تحريفها أو تضخيمها أو اجتزاؤها لتقديم صورة مخالفة للواقع.

وأشار العناني إلى أن هذه الممارسات تتضمن الكذب المتعمد، والتلاعب بالفيديوهات وتقليد الأصوات، باستخدام تقنيات أصبحت متاحة بسهولة لأي شخص يمتلك معرفة بسيطة بالتكنولوجيا، موضحًا أن أخطر وسيلة لبث هذه الأكاذيب هي منصات التواصل الاجتماعي، كونها فضاءً مفتوحًا وغير منضبط، يُستخدم بسهولة من قبل أصحاب النوايا السيئة لنشر الإشاعات وقتل المعنويات.

ونوّه إلى ضرورة التحقق من صحة المعلومات، وعدم الانجرار خلف ما يُنشر بدون الرجوع إلى مصادر موثوقة، مضيفًا أن هذه الحرب الرقمية لا تقتصر فقط على الأغراض السياسية والعسكرية، بل تشمل أيضًا محاولات استغلال الأطفال والفتيات لأغراض إجرامية.

وتطرق العناني إلى محاولات بعض الجهات المعادية، خاصة من إسرائيل، لتقليل قيمة جهود الأردن تجاه القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن ذلك بهدف زرع التفرقة والتشويش على وحدة الصف الأردني، خاصة في ظل وجود مكونين أساسيين في المجتمع هما الأردنيون من أصول شرق أردنية وأردنية فلسطينية.

واختتم حديثه بالتأكيد على أهمية الوعي والحذر، مشيدًا بقدرات الشباب الأردني في مجال التكنولوجيا ومكافحة هذه الظواهر، مثمنًا رعاية سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني لجهود الشباب في هذا المجال، ودعمه المتواصل لهم للإبداع في مواجهة هذه التحديات.

من جهته، أشار الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور بشير الدعجة، أن الذباب الإلكتروني أصبح السلاح الأخطر في الحروب الحديثة، إذ لم يعد العدو يأتي بصوت مدفع ورائحة بارود، بل بات يتسلل عبر منشورات وتغريدات وهاشتاغات مجهولة المصدر، مبينًا أن هذا النوع من الحروب يُدار بذكاء وتخطيط يشبه العمليات العسكرية، ويهدف إلى تقويض الثقة بالنفس والوطن، وتشويه الرموز الوطنية، وبث الفوضى داخل المجتمعات.

وأكد الدعجة أن الذباب الإلكتروني لا يمثل الرأي الحر، بل هو حملة مبرمجة وممولة تقف وراءها جهات استخباراتية، أبرزها الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات الإسرائيلية، التي تسعى لتفتيت الجبهة الداخلية، وتآكل الثقة بالمؤسسات، وتخدير الحس الأمني لدى الشعوب، داعيًا إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي، وتحقيق مناعة رقمية وطنية قادرة على مواجهة هذا الخطر الخفي.

بدوره، أشار أستاذ الاعلام الرقمي في جامعة الشرق الأوسط محمود الرجبي، إلى أن "الذباب الإلكتروني" هو مصطلح يُطلق على مجموعات حسابات وهمية أو شبه حقيقية تُدار بشكل مركزي ومنسق عبر غرف عمليات رقمية، لافتًا إلى أن ذلك بهدف التأثير على الرأي العام من خلال التضليل، ونشر الشائعات، وإضعاف الثقة بالمؤسسات ، ويزداد تأثير هذه الحملات في أوقات الأزمات، حيث تُقدَّم روايات بديلة مشوشة تُحدث بلبلة بين الناس، خصوصًا في ظل غياب أدوات التحقق لدى المواطن العادي.

وفي سياق الحملة التي استهدفت الجهود الأردنية في دعم غزة، أوضح الرجبي أن الذباب الإلكتروني استخدم أساليب عدة، أبرزها نشر صور مزورة أو قديمة على أنها تمثل المساعدات الأردنية، وبث روايات زائفة تتهِم الأردن بتقديم دعم رمزي أو شكلي فقط، متجاهلين الموقف الأردني الثابت والداعم لفلسطين، مؤكدًا أن هذه الحملات سعت لتقويض السردية الوطنية وزرع الشك في نوايا الأردن الإنسانية.

وبين أن الإعلام الرقمي الأردني تعامل مع هذه الحملات بأساليب مهنية وفعالة، فقد نشطت عدة مؤسسات إعلامية محلية في تقديم تغطيات مباشرة وموثقة للمساعدات الأردنية، من الجسر الجوي، إلى المستشفى الميداني، والفرق الطبية، مضيفًا أن الحسابات الرسمية ساهمت أيضًا في إيصال الرواية الأردنية بشكل سريع وواضح، ما ساعد في التصدي لمحاولات التشويه قبل انتشارها.

وشدد الرجبي على أهمية التحقق من الأخبار المتداولة عبر الاعتماد على المصادر الرسمية، واستخدام أدوات مثل Google Reverse Image Search، إلى جانب تحليل اللغة المستخدمة، إذ أن الذباب الإلكتروني يعتمد عادة على نبرة هجومية ومكررة، تظهر من خلال حسابات غير موثوقة تعمل ضمن موجات متزامنة.

وللتصدي لهذه الظاهرة، يرى الرجبي أن المطلوب هو اعتماد استراتيجية متكاملة تقوم على ثلاث ركائز منها تعزيز الشفافية وسرعة الاستجابة من الإعلام الرسمي لملء الفراغ المعلوماتي ، مضيفًا ضرورة دعم الإعلام المستقل وتدريب الصحفيين على أدوات التحقق والتفنيد، وغير ذلكإنتاج محتوى رقمي إنساني مؤثر يعكس الواقع ويقوي السردية الوطنية.

ودعا إلى ضرورة بناء تحالف وطني رقمي يضم الإعلام الرسمي والخاص، والمؤثرين، ومؤسسات المجتمع المدني لتنسيق الجهود، وضمان استمرارية الثقة الشعبية، مع الحفاظ على القيم التي تميز الإعلام الأردني.