زريقات: الاجتهادات المتعددة تضلل الطالب وتبعده عن المقرر المعتمد
درويش: بعض المنصات تحولت إلى فخ محكم يستغل قلق الطلبة وضعفهم الأكاديمي
شذى حتاملة
مع التوسع الكبير في استخدام المنصات التعليمية عبر الإنترنت، بات الوصول إلى الشروحات والدروس أكثر سهولة من أي وقت مضى، مما منح كثيرًا من الطلبة فرصة لتعويض ما يفوتهم في الصفوف المدرسية، خاصة أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الدروس الخصوصية أو الالتزام بالمراكز الثقافية.
ورغم ما يبدو من فائدة ظاهرة لهذه المنصات، إلا أن البعض منها تحوّل إلى وسيلة استغلال، تبيع الأمل وتسوّق لنجاحات وهمية، في ظل غياب رقابة حقيقية أو تقييم موضوعي لمحتواها.
وفي هذا السياق، تواصلت "الأنباط" مع عدد من الخبراء التربويين لتقييم واقع هذه المنصات، والتحذير من الفخاخ التي قد يقع فيها الطلبة، لا سيما في ظل اجتهادات متعددة لا تراعي المعايير الأكاديمية أو المقررات المعتمدة.
المحتوى غير الموثوق قد يضلل الطالب
المستشارة التربوية ومديرة إدارة التعليم الخاص سابقًا، الدكتورة ريما زريقات، أوضحت أن المنصات التعليمية أصبحت خيارًا بديلًا للطلبة الذين حالت ظروفهم دون الالتحاق بالدروس الخصوصية، حيث توفر هذه المنصات محتوى بتكاليف أقل، وتتيح المتابعة من أي مكان يتوفر فيه اتصال بالإنترنت. لكنها حذّرت من أن المحتوى المعروض في كثير منها "غير مضمون من حيث الجودة أو الموثوقية”، كما أن بعض المنصات تعتمد على أساليب دعائية مبالغ فيها تستغل حاجة الطالب، وتدفعه للاشتراك بدافع القلق أو الشعور بالعجز.
وأكدت زريقات أن "الاجتهادات المتعددة” من قبل مقدمي المحتوى التعليمي على هذه المنصات قد تُربك الطالب، وتبعده عن المنهاج الرسمي المعتمد من وزارة التربية والتعليم، مما ينعكس سلبًا على أدائه الدراسي. وأضافت أن بعض الطلبة ذوي الشخصية الهشة يتأثرون بصورة مفرطة بالشخصيات الظاهرة عبر هذه المنصات، ويقلدونهم في السلوك والمواقف، مما قد يؤدي إلى تشويه منظومتهم القيمية والاجتماعية.
وشددت على أهمية توفر معايير محددة عند تقييم المنصات التعليمية، من بينها حصول المنصة على ترخيص رسمي من إدارة التعليم الخاص. وتوفر دليل مستخدم وسياسات خصوصية واضحة. ووجود نظام تحقق من الهوية، ودعم تقني فعّال. وتوافق المنصة مع مختلف الأجهزة وأنظمة التشغيل. إضافة إلى وجود سياسة تقييم منشورة وآلية واضحة لاحتساب العلامات. وتفعيل أدوات تفاعلية مثل المنتديات والمجموعات، مع توجيه تربوي واضح لاستخدامها.
التسويق المضلل يحوّل المنصة إلى فخ
من جانبه، يرى الخبير التربوي محمود درويش أن المنصات التعليمية، رغم ما تقدمه من حلول، تحوّلت في بعض الحالات إلى "فخ محكم” يستدرج الطالب بأساليب تسويقية ذكية، هدفها الربح قبل التعليم. وقال إن بعض المنصات تستغل حالة القلق والتوتر التي يعيشها الطلبة، لا سيما الضعفاء منهم، وتروج لما أسماه "قصص التحول المعجزية” التي تزعم أن طالبًا على وشك الرسوب أصبح من المتفوقين بفضل اشتراكه في المنصة.
وأضاف درويش أن بعض المنصات تقدم دروسًا مجانية كـ”طُعم” أولي، لتدفع الطالب لاحقًا إلى الاشتراك من أجل الوصول إلى المحتوى الكامل، مشيرًا إلى ما سماه "الاعتماد النفسي التدريجي” الذي تُنشئه هذه المنصات لدى الطالب.
كما نبه إلى أساليب "الترهيب الناعم” التي تعتمد على بث رسائل مثيرة للقلق، مثل: "الوقت يداهمك”، "غيرك بدأ، وأنت؟”، "مستواك لا يؤهلك للنجاح”، مؤكدًا أن هذه الرسائل تزرع الذعر وتدفع الطالب إلى الدفع تحت ضغط الخوف لا بدافع الثقة.
وأشار درويش إلى غياب الشفافية والرقابة على كثير من هذه المنصات، قائلًا: "المنصات تستعرض نسب نجاح وادعاءات بتفوق طلابها، لكنها في كثير من الأحيان تفتقر إلى بيانات حقيقية أو شهادات موثقة”. وأضاف أن الطالب يكتشف بعد الاشتراك أن الواقع لا يشبه الإعلان، فغالبًا ما تكون المواد المقدمة مجرد فيديوهات مسجلة، دون تفاعل حقيقي أو دعم فني فعّال أو تقييم مباشر.
بين الواقع والتطلعات
في المحصلة، لا شك أن المنصات التعليمية تمثل أداة حديثة يمكن أن تساهم في تطوير العملية التعليمية، لكنها في ذات الوقت قد تصبح عبئًا نفسيًا وماليًا على الطالب إن لم تكن خاضعة لمعايير واضحة ورقابة جادة. ويجمع الخبراء على أن التعليم لا يمكن أن يكون تجارة، وأن المحتوى الصادق والموثوق هو ما يصنع الفرق، لا الشعارات البراقة ولا القصص الملفقة.