كوكب على حافة الانهيار.. حينما تتحالف الحروب والمناخ ضد البشرية

نبض البلد -

 

الخشمان: الظواهر الجوية المتطرفة تتصدر قائمة المخاطر العالمية

العبادي: التغير المناخي والصراعات المسلحة باتا يغذيان بعضهما

عايش: تغير المناخ لم يعد قضية بيئية بل بات يتقاطع مع الأنظمة الاقتصادية

 

ميناس بني ياسين

 

في زمن تتفاقم فيه الأزمات وتتقاطع به التهديدات، لم تعد المخاطر المناخية والتوترات الجيوسياسية تسير كلٌّ على حدة، بل باتت تتغذى من بعضها البعض، مشكلةً مشهدًا عالميًا معقدًا يهدد أمن البشر وكوكبهم على حد سواء.

وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2025، تصدّرت أزمتا التغير المناخي والصراعات المسلحة قائمة التهديدات الكبرى التي تواجه البشرية، في تحوّل يُنذر بأن العالم ينزلق نحو أزمات مركّبة تتجاوز حدود السيطرة التقليدية، وتتطلب مقاربات أكثر جرأة وتعاونًا إنسانيًا غير مسبوق.

فبات واضحًا أن أزمات اليوم لم تعد تفهم الحدود، وأن الصراعات المسلحة والتغير المناخي لا ينفصلان في الأثر، بل في كثير من الأحيان يشتركان في السبب والنتيجة.

وفي ظل هذا التداخل المعقّد، تتطلب المرحلة القادمة تحركًا عالميًا جادًا، يربط الأمن البيئي بالأمن السياسي والاجتماعي، وينظر إلى الأرض ليس فقط كموردٍ يُستغل، بل كبيتٍ مشترك بحاجة للحماية، قبل أن تنهار قواعد الحياة فيه تمامًا.

 

المناخ يشتعل والعالم عاجز عن التكيف

وأكّد الأستاذ الدكتور عمر علي الخشمان، أستاذ هندسة البيئة والتغير المناخي في جامعة الحسين بن طلال، أن تصدُّر "الظواهر الجوية المتطرفة” قائمة المخاطر العالمية يعكس حجم التهديدات المناخية المتسارعة.

وأوضح أن تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لعام 2024 كشفت عن كون ذلك العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات، بتجاوز درجة الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية، ما فاقم من شدّة الفيضانات وموجات الحر والعواصف.

ولفت إلى تسجيل 151 ظاهرة مناخية قاسية تسببت في نزوح أكثر من 800 ألف شخص خلال عام واحد فقط، وهو رقم غير مسبوق منذ عام 2008، مشيرًا إلى أن أكثر من 80% من الكوارث الطبيعية باتت ناتجة عن تغيرات مناخية.

وأشار إلى أن ضعف الوعي البيئي وصعوبة التنبؤ الكامل بتداعيات التغير المناخي، مقارنة بالأزمات الاقتصادية والسياسية، يفسّر عدم تصدره سلم الأولويات الدولية، رغم خطورته الممتدة.

كما نبّه إلى أنّ الصراعات الجيوسياسية تُعطّل الجهود المناخية، إذ دفعت حروب مثل أوكرانيا بعض الدول الأوروبية للعودة المؤقتة إلى استخدام الفحم، ما يشكّل نكسة للالتزامات البيئية، خاصة في ظل تراجع تمويل مشاريع التكيّف في الدول النامية.

 

البيئة ضحية الحروب.. والمناخ وقود لصراعات الغد

ويرى الدكتور صلاح العبّادي، المحلل السياسي، أن التغير المناخي والصراعات المسلحة باتا يغذيان بعضهما في علاقة خطرة ومركّبة.

وأوضح أن مناطق النزاع، مثل غزة والسودان وأوكرانيا، تشهد تدهورًا بيئيًا حادًا بسبب استخدام الأسلحة الثقيلة والمواد الملوثة، ما يؤدي إلى تلوّث التربة والمياه وتدمير النظم البيئية، ويمنع المجتمعات المحلية من الصمود أو الزراعة أو إعادة البناء.

وبيّن أن هذه البيئات الهشة غالبًا ما تُستثنى من التمويل المناخي الدولي بسبب هشاشتها الأمنية، رغم حاجتها الماسة لتدخّلات بيئية وإنسانية خاصة.

وأكد العبّادي أن التغير المناخي يمكن أن يكون دافعًا للصراعات مستقبلًا، خصوصًا في المناطق التي تعاني من شح المياه والموارد، داعيًا إلى ضرورة دمج الأمن البيئي ضمن استراتيجيات حل النزاعات.

 

 

تغير المناخ وتداعياته الاقتصادية

من جانبه، أشار المحلل الاقتصادي حسام عايش إلى أن التغير المناخي لم يعد قضية بيئية فقط، بل بات يتقاطع بعمق مع الأنظمة الاقتصادية والسياسات المالية للدول.

وأوضح أن أزمة كلفة المعيشة ترتبط بعدة عوامل، أبرزها التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، لكن أخطر ما فيها هو تآكل الثقة بين الناس والمؤسسات، في ظل معلومات مضللة ومؤدلجة تُفسّر الأزمة بطريقة غير علمية.

وبيّن عايش أن التكنولوجيا النظيفة، والصناعات المرتبطة بالمناخ، مثل السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات، أصبحت أداة سياسية واقتصادية تؤثر على التحالفات الدولية، وأن انتقال العالم إلى اقتصاد مستدام يتطلب إقناع الناس قبل فرض السياسات.

وأشار إلى أن انعدام الثقة يشكّل تحديًا حقيقيًا أمام أي سياسة إصلاحية أو تحول بيئي، في ظل اتساع الفجوة بين تطلعات المجتمعات وقدرة الحكومات على الاستجابة.