مؤتمر حل الدولتين.. الإنجاز مرهون بالضغط على الكيان المحتل

نبض البلد -

 

خبراء: الدور الأردني يكتسب أهمية خاصة في القضية الفلسطينية

الشوبكي: المؤتمر خطوة تنفيذية مباشرة لمخرجات القمة العربية الطارئة

جبر: المؤتمر يعكس تلاقيًا نادرًا بين الإرادة العربية والدفع الأوروبي

الطماوي: التحرك بارقة أمل مشروط بإرادة دولية حقيقية

رزان السيد

في لحظة سياسية بالغة التعقيد، وبين تصلب إسرائيلي داخلي وتصاعد الحراك الدولي، تتجه الأنظار إلى مؤتمر دولي رفيع المستوى حيث تسعى الأمم المتحدة بالشراكة مع السعودية وفرنسا، إلى عقده بهدف تفعيل حل الدولتين وتحويله من مجرد طرح سياسي إلى خطة تنفيذية على الأرض.

 

يأتي هذا التحرك ضمن مخرجات القمم العربية الأخيرة، وكمحاولة لإعادة الزخم لقضية فقدت أولويتها على الساحة الدولية بفعل الانقسام الفلسطيني والتراخي الدولي، في وقت تتزايد فيه الضغوط الشعبية والدبلوماسية على الحكومات الغربية لمراجعة علاقاتها مع إسرائيل، على خلفية الحرب القائمة على غزة والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي.

وسيُعقد المؤتمر في مقر الأمم المتحدة خلال شهر حزيران المقبل بمدينة نيويورك، برئاسة مشتركة من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية.

ويرى محللون سياسيون وأمنيون أن نجاح المؤتمر مرهون بقدرته على تجاوز الخطابات السياسية التقليدية، وتحويل مخرجاته إلى خطة عملية ذات التزامات واضحة، كما شددوا على الدور المحوري الذي يلعبه الأردن في دعم هذا التوجه، من خلال تحركاته السياسية المتواصلة وتنسيق المواقف العربية، باعتباره طرفًا رئيسيًا يملك الشرعية والمصلحة المباشرة في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

 

تحرك دولي لترجمة حل الدولتين إلى واقع عملي

وأكد المحلل الأمني والسياسي، محسن الشوبكي، أن هذا المؤتمر يأتي لتنفيذ حل الدولتين كخطوة تنفيذية مباشرة لمخرجات القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة، حيث دعت الدول العربية إلى تحرك سياسي ودبلوماسي واسع لدعم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لذا، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الجمعة 23 أيار، اجتماعًا تحضيريًا لهذا المؤتمر في مقرها بنيويورك، بمشاركة السعودية وفرنسا كرؤساء مشتركين له، وذلك تمهيدًا لعقده رسميًا الشهر المقبل، مبينًا أنه من المقرر أن يعتمد المؤتمر وثيقة ختامية بعنوان "تسوية قضية فلسطين سلميًا وتنفيذ حل الدولتين"، بحيث تحدد هذه الوثيقة مسارًا واضحًا لا رجعة فيه نحو تحقيق حل الدولتين، مع التركيز على آليات عملية لتنفيذه على أرض الواقع.

وفي حديثه لـ "الأنباط"، أوضح الشوبكي أنه وبالرغم من أن المؤتمر يحمل ثقلًا دبلوماسيًا، خاصة برعاية السعودية وفرنسا، إلا أن نجاحه في إعادة إحياء حل الدولتين سيظل رهنًا بقدرة الدول الراعية والمجتمع الدولي على ممارسة ضغوط فعلية على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الاجتماع التحضيري كشف عن وجود توافق دولي واسع على ضرورة الدفع بالحل السياسي، لكن التحدي الرئيسي يكمن في ترجمة هذه المواقف إلى إجراءات تنفيذية تتجاوز الخطابات السياسية التقليدية.

وأشار إلى أن الأردن يبقى دائمًا أحد أبرز الفاعلين في القضية الفلسطينية، إذ كرّس جلالة الملك عبد الله الثاني جهوده في جميع المحافل الدولية لتثبيت حل الدولتين كخيار استراتيجي لا بديل عنه، مبينًا بأنه في هذا المؤتمر، يتوقع أن يكون الدور الأردني جوهريًا في ضمان تفعيل الوثيقة الختامية للمؤتمر وتحويلها إلى خطة قابلة للتنفيذ دوليًا ، وتنسيق المواقف العربية والدولية لضمان دعم حل الدولتين وعدم السماح بانحراف القضية الفلسطينية عن مسارها الرئيسي.

وبيّن الشوبكي بأن نجاح المؤتمر في تحويل التوصيات إلى خطوات عملية سيكون العامل الحاسم في إمكانية حل الصراع العربي الإسرائيلي، متوقعًا ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمخرجاته، والتي تتمثل في سيناريو الضغط الدبلوماسي، إذ تفرض الدول المشاركة إجراءات عقابية أو قيود سياسية على الكيان الصهيوني لإجبارها على قبول حل الدولتين.

أما السيناريو الثاني، فهو سيناريو استئناف المفاوضات، حيث أوضح الشوبكي بأنه إذا تبنّى المؤتمر خارطة طريق لإعادة إطلاق محادثات مباشرة تحت إشراف دولي، فقد يكون بداية لإعادة إحياء بعض جوانب الحل، بالإضافة إلى السيناريو الثالث، وهو سيناريو الجمود السياسي، مشيرًا أنه إذا اقتصر المؤتمر على بيانات سياسية دون أدوات تنفيذية واضحة، فلن يكون له تأثير كبير على أرض الواقع.

تصلب إسرائيلي وتحولات في المواقف الدولية

ومن جانب آخر، أشارت أستاذة العلوم السياسية، والمختصة بالشأن الفلسطيني، الدكتورة أريج جبر، في حديثها لـ "الأنباط"، إلى أنه في ظل احتدام الموقف الرسمي الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، وبعد التدهور الحاد الذي شهدته القضية الفلسطينية عقب السابع من أكتوبر 2023، تأتي الدعوة لعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى بشأن تنفيذ حل الدولتين كمؤشر على محاولات جديدة لإعادة تحريك المسار السياسي، الذي ظل معطلًا لسنوات بفعل الاستعصاء الإسرائيلي الداخلي، والانقسام الفلسطيني، وتراجع الاهتمام الدولي بالقضية، وعقب مقتلة وسياق جرمي ممنهج بحق الفلسطينيين والسعي نحو تنفيذ إحلال جغرافي وديمغرافي واغتنام حالة التراخي الدولي وضعف وتيرة العمل الأممي مما وفر للكيان غطاء جرمي يبرر له ما يفعل.

ووفقًا لما سبق، وكتأسيسًا أو مراكمة لمخرجات القمم العربية العادية والطارئة والثنائيّة، أوضحت جبر بأن هذا المؤتمر يعكس تلاقيًا نادرًا بين الإرادة العربية والدفع الأوروبي نحو مقاربة جديدة تعيد الاعتبار لمبادئ الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني، موضحة بأن المؤتمر يأتي في لحظة سياسية معقدة، تتسم بعدة أمور.

وتابعت، بأن تصلب الموقف الإسرائيلي الداخلي بقيادة حكومة يمينية متطرفة ترفض علنًا حل الدولتين، وتسعى إلى توسيع الاستيطان وفرض الوقائع أحادية الجانب، لا سيما في القدس والضفة الغربية، والإعلان بوضوح عن رفض أية حلول سياسية أو تراجع وأنها ماضية في مخططات التهجير والتدمير في غزة وإعلاء دور السيادة والضم في الضفة.

كما أن الجاليات العربية في أوروبا تمكنت من خلق ضغوط متزايدة على حكوماتها تجاه سياساتها وشراكاتها مع إسرائيل، في أعقاب الحرب على غزة، وتنامي الإدانات الدولية لانتهاكات القانون الدولي الإنساني، مشيرة بأنه لا يمكن إغفال الرأي العام الدولي وكشفه لجرائم الكيان، وهذا جاء تحولات في الرأي العام العالمي، حيث برزت تحركات طلابية ومدنية واسعة في الغرب تطالب بإنهاء الاحتلال وتدعم الحق الفلسطيني، مما شكل ضغطًا سياسيًا غير مباشر على الحكومات الغربية وأهمها إعلان فرنسا رغبتها بالاعتراف في فلسطين.

وأكدت جبر على أن زيارة جلالة الملك لعاصمة القرار السياسي الأمريكي والإعلان عن سياق عربي وحدوي، مما يفوت فرصة الاستفراد أو الاستقواء على المكون العربي، وعليه إن إعادة بناء التوافق العربي حول مركزية القضية الفلسطينية، بعد أن بدت وكأنها فقدت مكانتها ضمن الأولويات الإقليمية.

أما دور الأردن المركزي في صياغة مخرجات المؤتمر واستمرارًا لوصفه حجر الأساس في الدفاع عن القضية الفلسطينية، ليس فقط بحكم الجغرافيا والتاريخ المشترك، وإنما أيضًا بحكم الدور الهاشمي في رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس عبر حق الوصاية الهاشمية وكذلك الأدوار التي انتزعها حول دور الأردن صياغة مقبولة تمثل إرادة الشعب الفلسطيني في قضايا الحل النهائي، وقد كرّس جلالة الملك عبد الله الثاني هذا الدور على مدى العقدين الأخيرين، من خلال مواقف سياسية ثابتة، تؤكد أن لا أمن ولا استقرار في المنطقة دون التوصل إلى تسوية عادلة تنهي الاحتلال وتؤسس لدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وبيّنت جبر أنه وفي سياق المؤتمر الحالي، يتوقع أن يلعب الأردن دورًا محوريًا، وذلك من خلال توحيد الموقف العربي، بالتنسيق مع السعودية ومصر ودول مجلس التعاون، لضمان أن تنطلق مخرجات المؤتمر من مبادرة السلام العربية كأساس للتسوية، بالإضافة إلى الضغط على القوى الغربية المؤثرة لإعادة ربط المساعدات والسياسات الأوروبية والأمريكية بمدى التزام إسرائيل بالقرارات الدولية، ووقف الاستيطان، وطرح رؤية عملية تعكس مقاربة الواقعية السياسية التي ينتهجها الأردن، وتوازن بين الدعم للفلسطينيين والانخراط الدولي دون الانزلاق إلى مسارات غير واقعية.

وأضافت، رغم دلالة المؤتمر من حيث القضايا محل النقاش وتوسع المشاركين فيه، فإن التحدي الجوهري يتمثل في غياب الإرادة الإسرائيلية الرسمية للتفاعل الإيجابي مع أي مبادرة تقوم على مبدأ إنهاء الاحتلال، مؤكدة بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا ترى في حل الدولتين خيارًا قابلًا للنقاش، بل تسعى إلى تكريس نموذج " الأبارتهايد " عبر ضم تدريجي، وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين.

وأوضحت أنه لا يمكن لهذا المؤتمر أن ينجح ما لم يربط بآليات ضغط دولية حقيقية على إسرائيل، سواء عبر العقوبات الفاعلة أو تقييد العلاقات السياسية والعسكرية، وقرار لمجلس الأمن عبر مضامين الفصل السابع أو وفقًا لقرار الاتحاد من أجل السلام، وأن يربط بجدولٍ زمني واضح، لاستئناف العملية السياسية، وفق مرجعيات الأمم المتحدة، وليس وفق صفقات، يواكبه حراك فلسطيني داخلي موحد يعيد بناء الشرعية السياسية ويجمد الانقسام بين الضفة وغزة.

واختتمت جبر حديثها، بأن هذا المؤتمر ليس نقطة البداية أو حتى المسمار الأخير، وإنما هو شاهد على تحول لموقف دولي وفق رؤية واضحة قوامها قيام دولة فلسطينية تحت مفهوم حل الدولتين مع إرغام الكيان عن التراجع عن كل السلوكيات العنصرية وأحادية الجانب لتغيير الوضع القانوني والتاريخي للفلسطينيين.

 

تحديات المؤتمر ودور الأردن في دعم حل الدولتين

ومن جهته، أوضح المحلل السياسي، الدكتور محمد الطماوي، بأن عقد هذا المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتنفيذ حل الدولتين، يُعدّ مؤشرًا على تحرّك دبلوماسي جديد في ظل الجمود السياسي الذي يخيم على القضية الفلسطينية، مبينًا بأن توقيت هذا الاجتماع يحمل دلالة خاصة، بالنظر إلى التصعيد غير المسبوق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمواقف المتطرفة التي تتبناها حكومة الاحتلال الحالية، والتي تعمل على تقويض أي فرص حقيقية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومع ذلك، فإن مجرد انعقاد هذا الاجتماع داخل أروقة الأمم المتحدة، وبمشاركة عربية ودولية وازنة، يكشف عن محاولات لإعادة إحياء حل الدولتين من جديد، رغم كل التحديات والعقبات السياسية.

وأكد الطماوي خلال حديثه لـ "الأنباط"، أن الدور الأردني يكتسب أهمية خاصة، إذ لا يمكن تجاهل الجهد السياسي المتواصل الذي يبذله جلالة الملك عبد الله الثاني في الدفاع عن حل الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل، مشيرًا بأن الأردن حرص عبر كل المنابر الدولية، على التمسك بهذا الطرح، وشدد دومًا على ضرورة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فالأردن ليس مجرد داعم سياسي، بل هو صاحب مصلحة استراتيجية وأمنية، ويمتلك شرعية تاريخية ودينية خاصة في القدس، ما يمنحه ثقلًا إضافيًا في أي عملية سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية.

كما تساءل الطماوي، أنه ورغم الزخم الدبلوماسي الذي قد يمثله هذا المؤتمر المرتقب في حزيران المقبل، هل يملك المجتمع الدولي الإرادة الحقيقية لمواجهة السياسات الإسرائيلية العدوانية؟ وهل يتحوّل هذا المؤتمر إلى نقطة انطلاق لمسار سياسي فعلي، أم يظل مجرّد منصة لتكرار المواقف؟ إن المؤتمر قد يشكّل بارقة أمل في وقت يتسم بالإحباط والتشظي العربي، لكنه لن يكون كافيًا ما لم تُقرن الأقوال بالأفعال، ويُصاغ إطار دولي ملزم يدفع باتجاه تطبيق حل الدولتين بصورة عملية، وليس فقط كمرجعية نظرية تُستحضر عند الحاجة السياسية.