الزراعة في الأردن منذ الاستقلال.. مسيرة إنجازات نحو تعزيز الاستدامة والاكتفاء

نبض البلد - منذ استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في الخامس والعشرين من أيار عام 1946، خطت الزراعة الأردنية خطوات متسارعة نحو التحديث والتطور، لتتحول من قطاع تقليدي إلى ركيزة أساسية في الأمن الغذائي الوطني ورافعة حيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودعامة رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة والاكتفاء.
وأكد متخصصون زراعيون، لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الأردن رغم شح موارده حافظ على الاكتفاء والأمن الغذائي وتطوير أدواته الزراعية، موضحين أن الأردن اختار أن يكون للأرض مكانة خاصة، واستثمر في الزراعة كهوية وسيادة، لا مجرد قطاع إنتاجي.
مدير عام اتحاد المزارعين الأردنيين المهندس محمود العوران، أكد أن العهد الملكي لجلالة الملك عبدالله الثاني تميز بإيلاء اهتمام خاص بالزراعة، إذ تصدر القطاع الزراعي كتب التكليف السامي وخطابات العرش، في تأكيد واضح على الرؤية الملكية المستقبلية للأمن الغذائي، مشيرا إلى أن التوجيهات الملكية أسفرت عن نقلة في نوعية الزراعات، "وأبرز مثال على ذلك كان خلال أزمة جائحة كورونا، حيث واصل الأردن تصدير محاصيله البستانية ذات الجودة العالية للعالم، في الوقت الذي عانت فيه كبرى الدول من اضطراب الإمدادات الغذائية".
ويشارك رئيسُ جمعية الحمضيات الأردنية عبدالرحمن الغزاوي، العوران الرأي، إذ يرى أن الاستقلال لم يكن سياسيًا فحسب، بل زراعيًا أيضًا، حين تحررت الأرض لتتحول إلى سلة غذاء حقيقية، تصدر فائض الإنتاج إلى دول الجوار.
ويستحضر الغزاوي رمزية الأشجار الأردنية، من زيتون الكرامة إلى نخيل الأغوار، كشاهد على مسيرة صمود وطن ومزارعين سطروا الاستقلال بعرقهم وجهدهم، مشددا على أن الأمن الغذائي تحقق بسواعد النشامى، ويجب دعمه ليستمر الأردن أخضر، رغم قلة الموارد.
بدوره، أشار مدير مؤسسة الإقراض الزراعي المهندس محمد الدوجان، إلى أن الاستقلال السياسي شكّل قاعدة الانطلاق نحو تمكين الزراعة، من خلال مؤسسات فاعلة خططت ونفذت برامج تنموية شاملة، من بينها مؤسسة الإقراض الزراعي، موضحا أن الأردن ينتج اليوم أكثر من 60 بالمئة، من احتياجاته الغذائية، وحقق اكتفاءً ذاتيًا في معظم المحاصيل.
وأكد أن الدعم الحكومي والتشريعات ومشاريع التمويل أسهمت في تمكين الشباب والنساء في الريف؛ مما عزز من الاستقرار المجتمعي وخلق فرص عمل جديدة.
وأضاف الدوجان أن إدخال التكنولوجيا الحديثة والزراعة الذكية بات أولوية ضمن الخطط الوطنية لمواجهة التغير المناخي وشح المياه، مشيرًا إلى مشاريع رائدة في الري الحديث، والزراعة المائية، ودعم التصنيع الغذائي. ووصف القطاع الزراعي اليوم بأنه ليس فقط موردًا غذائيًا، بل محركًا تنمويًا متعدد الأبعاد.
مدير مشروع القرية الذكية للتنمية المستدامة سامر عبد الدايم، أبرز دور السيادة الوطنية بعد الاستقلال في صياغة سياسات زراعية تراعي الخصوصية البيئية الأردنية، مثل قلة المياه، وتدهور التربة، مشيرا إلى مشاريع البنية التحتية التي غيّرت وجه الزراعة، من بناء السدود إلى إنشاء مراكز الإرشاد الزراعي، فضلًا عن حماية المنتج المحلي بقوانين وتشريعات داعمة. وأوضح أن الأمن الغذائي أضحى أولوية وطنية وإستراتيجية بفعل هذا التوجه، حيث بات الأردن أكثر قدرة على تقليل الاعتماد على الاستيراد، وزيادة الإنتاج المحلي.
وحول دور المرأة الريفية والشباب في نهضة الزراعة الأردنية، قال عبد الدايم إن المرأة الريفية والمزارعين الشباب، أصبحوا قلب الزراعة الحديثة في الأردن، بعدما لعبت النساء دورًا مركزيًا في العمليات الزراعية، فيما يشكّل الشباب القوة الدافعة للابتكار، وقد دعمتهم الحكومة عبر برامج تدريبية وتمويلية شملت القروض الميسرة، والمشاريع الريفية الصغيرة، ومبادرات التمكين الاقتصادي؛ وهو ما زاد من حضورهم في القطاع.
وعن الزراعة الذكية والمستدامة، ذكر عبد الدايم أن إدخال الأنظمة الزراعية الذكية، مثل الاستشعار عن بعد، والري المحوسب، والزراعة المائية، نقطة تحول رئيسية رفعت من كفاءة الموارد وجودة الإنتاج، وأسهمت هذه الأنظمة في تقليل الهدر وتحسين مواعيد الحصاد؛ مما انعكس على زيادة الإنتاج المحلي وتعزيز قدرة المملكة على التصدير، في وقت تتجه فيه العديد من الدول نحو تقنيات مشابهة لضمان أمنها الغذائي.
--(بترا)