انقطاع النفس الانسدادي.. مخاطر على الصحة الجسدية والنَّفسية

نبض البلد -


الدّبّاس: انقطاع النفس الانسدادي يرفع ضغط الدم في الشريان الرئوي

الصالحي: الأدوية المُستخدمة بعلاج الحالات النفسية قد يكون لها تأثير مرخٍّ على عضلات مجرى الهواء

إلياس: ضمور وتلف الدماغ يَحدث نتيجة انخفاض الأُكسجين وارتفاع ثاني أُكسيد الكربون

 

الأنباط - كارمن أيمن

 

تترابط وظائف الجسد مع بعضها البعض وتتأثَّر بتأثير كل وظيفة على الأُخرى، فهي تعمل بشكلٍ متكامل، وحتّى يكونَ الجسد قادرًا على ممارسة نشاطات الحياة كافّة فإنَّه بحاجةٍ إلى النوم العميق ليُمدَّه بالطّاقة، وعليه، فإنَّ بعض الفئات تُعاني من "انقطاع النفس الانسدادي" تارِكًا آثاره وانعكاساته السلبية على الصِّحة القلبية والنَّفسية والعقلية.

مُختصُّون أكدوا لـ"الأنباط" أنَّ انقطاع النَّفس يُسبِّب ضمورًا في عضلة القلب ويُضعفها ما لم تتمّ ملاحظة المُشكلة ومعالجتها في مراحلها الاولى، إذ يرى البعض أنَّ أوَّل أعراض إصابة الشباب بها تكمُن في الشخير العالي والمُتكرّر، وانقطاع التنفُّس والاختناق، بالإضافة إلى التعرُّق الزائد أثناء النوم، ما يُرجِّح وجود صلة وثيقة بين نسبة الشخير المرتفعة وزيادة مُعدَّلات الإصابة بانقطاع النفس الانسدادي لدى الشباب، فضلًا عن أنَّ التقدُّم في العُمر قد يُشكِّل عامِلًا فاعِلًا في زيادة نسب الإصابة.

ولأنَّ الاضطرابات النّفسية مُتَّصلة بالنَّوم وتؤثِّر عليه، فإنَّ المُصاب لا يصل لمرحلة النوم العميق، ما يُعيق من عملية التنفُّس، إذ تبقى احتماليّة الانسداد "وارِدة"، وبالتّالي فإنَّ صعوبات النوم تحمل في طيَّاتِها تداعيات جسدية مُرافقة للاضطرابات النّفسية.

ففي دراسةٍ حديثةٍ أجرتها جامعة كاليفورنيا-إيرفاين، كشفت صور الرنين المغناطيسي أنَّ انقطاع التنفُّس أثناءَ مرحلة النوم الحالم قد يُسبِّب أضرارًا مُباشِرةً في مناطق الدِّماغ المسؤولة عن الذاكرة والتَّفكير، إذ أنَّ الأطّبَّاء يؤكِّدونَ على أنَّ استمرار انقطاع التنفُّس يُتلف الدِّماغ ويعمل على ضموره، لاسيَّما إذ تبيَّن في صورة الرَّنين وجود تقطُّع في المادة البيضاء داخل الدِّماغ.

 

انقطاع النفس الإنسدادي ينعكس على عضلة القلب

وفي هذا الإطار، أشار رئيس جمعية أطباء القلب الأردنية الطبيب جمال الدّبّاس إلى أنَّ انقطاع النفس أثناء النوم يؤثِّر على الجسم لاسيما أنَّه يرفع ضغط الدم في الشريان الرئوي المُتَّصل بالبُطين الأيمن من القلب، ما ينعكس سلبًا على العضلة، فتتضخَّم وتتوسَّع وتضعف على المدى البعيد، إذ أنَّها تحتاج قوَّة إضافية للتغلُّب على ارتفاع ضغط الدم.

وتابع أنَّ اختلال القلب يؤثِّر على وظائف الجسم الحيوية كالشعور بالتَّعب والإرهاق السريع، خفقان القلب والضربات الشاردة، الشعور بآلام في الصدر أو تورُّم في البطن وأسفل القدمين.

وأضاف أنَّ العلاج الرئيسي يكمُن في تركيب جهاز أثناء النوم للمرضى المُصابين بانقطاع النفس والشخير المُتَقطِّع، موضِّحًا أنَّ المُصاب بهذه الحالة لا يصل لمرحلة النوم العميق التي تستريح فيها العضلات والجسم، ولا تُعطي فرصة لأعضاء الدِّماغ ليعمل بقوِّة وفعَّالية كبيرة، لذا فإنَّه يشعر بفقدان التركيز والنعاس المستمرّ.

ودعا الدّبّاس خلال حديثه "للأنباط" المصابين بِضرورة مراقبة نشاطهم أثناء النهار وإجراء فحص النوم لقياس نسبة الأكسجين في الدَّم والتخطيط الكهربائي للدماغ لتحديد مؤشِّرات انخفاض النفس والأُكسجين خلال الليل، كَونَه يُقدِّم تشخيصًا دقيقًا للمرض.

ولفت إلى أنَّه يمكن علاج تضخُّم عضلة القلب وعودتها لحالتها الطبيعية عند استخدام الجهاز المُخصَّص في وقتٍ مُبكِّر لاسيما إن تمَّ الفحص بالمراحل الأولى للمرض، منوِّهًا لأهميّة الإسراع في إجراؤه قبل تفاقم الحالة وحدوث تضرُّر أو تليُّف في عضلة القلب.

وأوضح الدّبّاس أنَّ الأجهزة العلاجية المختلفة تُلائم جميع الحالات والظروف، إذ تُعطي هواء بقوَّةِ ضغطٍ عالية أثناء النوم، لِـيدخل الأكسجين بحرّيّة على البُويصلات الهوائية والرئتين، كما يُمكن التحكُّم بقوّته عبر ضوابط ميكانيكية متواجدة فيه.

وأكَّد على أنَّها تُقدِّم تقريرًا يوضِّح عدد مرات انقطاع النفس بعد مدّة من الاستخدام لمراقبة نسبة التحسُّن، ملاحِظًا أنَّه قد يكون هناك ارتباطٌ وثيقق بين نسبة الشخير المرتفعة والإصابة بانقطاع النفس الانسدادي لدى الشباب.

 

التداعيات الجسدية لصعوبات النوم المُرتبطة بالاضطراب النفسي

من جانبه، أوضح الطبيب النفسي أشرف الصالحي أنَّ الاضطرابات النّفسيّة كالاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لا تؤثِّر فقط على الحالة المزاجيّة واليقظة خلال النهار فحسب، بل يُمكن أن ترفع خطر الإصابة بانقطاع التنفُّس الانسدادي أو تفاقُم حِدَّته.

وبيَّن أنَّ الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات نفسيّة قد يتعرَّضونَ لـِتغيُّرات في أنماط النوم، وتقلُّبات هرمونية، أو حتّى زيادة في الوزن، وهذه عوامل قد تُضيِّق مجرى الهواء العُلوي أثناء النوم.

وتابع، أنَّ بعض الأدوية المُستخدمة في علاج الحالات النفسية قد يكون لها تأثير مرخٍّ على عضلات مجرى الهواء، مِمَّا يزيد من احتمالية الانسداد.

وأضاف الصالحي أنَّ المصاب في الاضطراب النفسي، غالبًا ما يكون نومه مُتقطِّعًا وغير مريحًا، ما يزيد من عبء انقطاع التنفُّس ويُدخِله في حلقة مُفرغة حيث يؤثِّر كل اضطراب سلبًا على الآخر.

ولفت إلى أنَّ الصعوبات المُزمنة في النوم يرافقها تداعيات تؤثِّر على الصحّة الجسدية بشكلٍ مباشر، وقد تؤدّي إلى ضعف التركيز، وصعوبات في التعلُّم، وتراجع في الذاكرة قصيرة وطويلة الأمد، فضلًا عن أنَّها قد تزيد خطر الإصابة بأمراض تنكسية عصبية مُستقبلًا.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يؤثِّر أيضًا على ضعف الجهاز المناعي، وزيادة خطر الإصابة بالسُّكَّري، وزيادة الوزن، وارتفاع مستويات الالتهاب في الجسم.

وأشار الصالحي أنَّ تشخيص الطبيب النفسي الدقيق لاضطرابات النوم يُعدّ الخطوة الأولى لفحص انقطاع التنفُّس وتحديد شدَّته، إضافةً إلى أهميّة العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والعلاج السلوكي المعرفي المُخصَّص للأرق (CBT-I)الذي أثبت فعَّاليّة كبيرة في معالجة الاضطراب النفسي الأساسي (كالاكتئاب أو القلق)، وفي تحسين جودة النوم بشكلٍ مباشر.

واختتم حديثه بأنَّ هذا النوع من العلاج يُساعد المرضى على تحدّي وتغيير الأفكار والسلوكيات السلبية المتعلِّقة بالنوم، وتوجِّههم نحو تقنيات الاسترخاء الفعّالة، بالإضافة إلى تأسيس عادات نوم صحّيّة وتحسين الالتزام بعلاجات انقطاع التنفُّس الأُخرى كـجهاز CPAP.

 

استمرار انقطاع التنفُّس يعمل على ضمور الدماغ

وفي السياق، أوضح البروفيسور وأخصائي جراحة الدماغ والعمود الفقري منير إلياس أنَّ الانسداد النومي يُعدّ حالة مرضية تتَّصف بتنفُّس مؤقَّت ومتقطع، مشيرًا إلى أنَّ استمراره وتكراره عدّة دقائق يعمل على ضمورٍ وتلفٍ في الدِّماغ، نتيجة نقص الأكسجين وزيادة نسبة ثاني أُكسيد الكربون.

وتابع أنَّ هناك بعض التغيُّرات التي قد تطرأ على المادّة البيضاء والقشرة الشُمّيّة الداخلية، إذ أنَّ وجودها بشكلٍ مُتقطِّع داخل الدماغ يُشير لوجود خلل نتيجة انقطاع النفس الانسدادي، إذ يؤدِّي لارتخاء عضلات مؤخِّرة الحلق التي تمنع الفرد من التنفُّس بشكلٍ طبيعي.

وأكَّد إلياس ضرورة تصوير الدماغ صورة رنين "BRAIN MRI "، للتَّأكد من طبيعة التغيرات الواقعة عليه، منوِّهًا إلى أنَّ التَّقدُّم في العُمر يلعب دورًا أساسيًّا في زيادة خطر انقطاع النفس.