أبو ديه : ضرورة إقامة المحطات وفق دراسات واضحة تراعي المسافات
بلاسمة: تبقى البنية التحتية للشحن ضرورة أساسية رغم زيادة مدى القيادة
عمر الخطيب
قبل سنوات قليلة كان امتلاك سيارة كهربائية تحديًا بحد ذاته، لأن أصحابها حينما يخططون ليومهم يجول في ذهنهم سؤال واحد "وين أقرب نقطة شحن؟".
والسبب في عظم حجم ذلك التحدي أن مدى البطارية لم يكن كافيًا للمسافات الطويلة حينها، ومحطات الشحن كانت نادرة وغالبًا ما تترك السيارة لساعات حتى تشحن بالكامل، لكن اليوم تغير المشهد كليًا، فالبطاريات أصبحت أكثر كفاءة وذات سعة أكبر.
وأصبح بإمكان السائق أن يخرج من منزله وينهي جميع أعماله - حتى لو كانت بين المدن - دون أن يقلق من انتهاء او انخفاض شحن البطارية، إضافة إلى أن نقاط الشحن أصبحت منتشرة في كل مكان مثل أماكن العمل والمولات والفنادق، بل وحتى في مواقف بعض المطاعم والمقاهي.
ومع هذه التطورات المتسارعة في حجم بطاريات السيارات وانتشار محطات الشحن تبرز تساؤلات حول مستقبل هذه المحطات، فهل سـنحتاج إلى نفس العدد منها كما في السابق؟ أم أن التطور التكنولوجي وانتشار النقاط الصغيرة سـيفرض إعادة التفكير في الطريقة التي نبني بها هذه المحطات؟ والخوف من تكرار ما حصل بقطاعات أخرى وتحول الأمر إلى "فقاعة مؤقتة"، ما يعني أننا بحاجة إلى مقاربة وطنية واقعية ومدروسة تضمن استدامة هذا القطاع وجدواه الاقتصادية على المدى الطويل.
ويؤكد خبراء ضرورة استمرار التوسع في البنية التحتية لشحن المركبات لكن بذكاء، لضمان تحول كهربائي ناجح ومستدام اقتصاديًا.
وفي هذا السياق، يرى خبير الاقتصاد منير أبو ديه أنه كلما زاد العرض لأي خدمة أو سلعة ينخفض سعرها ما يفاقم التحديات أمام أصحاب محطات الشحن، مؤكدًا ضرورة إقامة المحطات وفق دراسات واضحة تراعي المسافات التي تحتاج فعليًا إلى خدمات الشحن، وليس فقط عبر منح التراخيص بشكل عشوائي وأن تكون الموافقات مبنية على دراسات دقيقة تراعي التوزيع الجغرافي والمسافات بين المحطات، لضمان التغطية الفعلية دون إفراط.
وإذا زاد عدد المحطات بشكل يفوق الحاجة الحقيقية، سينعكس ذلك سلبًا على القطاع، حيث يقل الطلب وتتزايد الأعباء المالية ما قد يؤدي إلى خسائر مالية ويهدد استمرارية تلك المشاريع على المدى الطويل، بحسب أبو ديه.
وأشار إلى أن التوسع في أي استثمار يجب أن يكون مبنيًا على دراسة واقعية تجريها الجهات المختصة وضمن محددات معينة سواء مساحات أو كثافة السيارات أو حاجة المنطقة، بالإضافة إلى أعداد السيارات المتزايدة حتى لا تكون هناك خسارة لأصحاب تلك الاستثمارات ومن ثم يتم إغلاقها وبالتالي تصبح عبئًا على الاقتصاد.
مخاوف فقاعة محطات الشحن
وأكد أن هذا القطاع الجديد سيصبح كغيره من القطاعات إذا لم يتم تنظيمه منذ البداية ولم يتم تحديد ضوابط واضحة للتراخيص ويصبح مجرد فقاعة.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية، بين خبير الطاقة فراس بلاسمة أن السيارات الكهربائية لا تزال في مرحلة نمو مدعومة بـسياسات الإعفاءات الجمركية والضريبية التي تتبناها الحكومة لتشجيع التحول إلى النقل الكهربائي، لكن البنية التحتية للشحن محدودة وتتركز بشكل أساسي في عمان وبعض المدن الكبرى مع نقص واضح في الطرق السريعة والمناطق الريفية.
وأشار إلى أن شبكة الشحن خاصة المحطات السريعة غير كافية لتلبية الطلب المتوقع خلال ثلاث سنوات، ما يستدعي توسعة منظمة لتفادي أي عقبات قد تعيق انتشار المركبات الكهربائية.
التوزيع الذكي لـمحطات الشحن حل لمستقبل النقل الكهربائي
وأشار إلى ضرورة تنظيم توزيع محطات الشحن بحيث تخدم الاستخدام اليومي والرحلات الطويلة دون فائض أو تكرار غير مجدٍ وذلك لتحقيق كفاءة تشغيلية واقتصادية.
وأوضح بلاسمة أن تحقيق ذلك يحتاج تحليل الكثافة السكانية وانتشار المركبات الكهربائية لكل منطقة والاعتماد على نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لـتحديد المواقع ذات الأولوية، بالإضافة إلى دراسة سلوك التنقل للمواطنين مثل مناطق السكن والعمل والتسوق، وتوفير شواحن بطيئة في المناطق السكنية وسريعة على الطرق السريعة والمراكز التجارية، مبينًا أن هذا التوزيع الذكي يسهم في رفع كفاءة استخدام المحطات وتخفيض التكاليف الرأسمالية ويعزز من جدوى استثمار القطاع الخاص في هذا المجال.
ورغم تطور البطاريات وزيادة مدى القيادة تبقى البنية التحتية للشحن ضرورة أساسية، إذ يعتمد انتشار المركبات الكهربائية على توفر الشواحن وسهولة الوصول إليها أثناء التنقل، خاصة في الرحلات الطويلة والمفاجئة، بحسب بلاسمة.
وأكد أن تحسن مدى المركبة لا يعني بالضرورة تقليل عدد المحطات، بل إعادة تنظيم توزيعها ونوعيتها لضمان طمأنينة تشغيلية للمستخدمين.
التوسع الذكي يضمن الاستدامة الاقتصادية
وأضاف بلاسمة أن على هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن وضع معايير واعتمادها بشكل رسمي لضمان توسعة فعالة ومستدامة، فلا توجد منظومة تنظيمية واضحة تحدد معايير إنشاء محطات الشحن.
وأشار إلى أن أفضل الممارسات العالمية تطرح معايير منها عدد السيارات الكهربائية مقابل كل محطة ونسبة الإشغال اليومي للمحطة القائمة والفجوة الجغرافية بين المحطات على الطرق الخارجية بالإضافة إلى مدى توفر التيار الكهربائي عالي القدرة في الموقع المقترح.
وتابع أن التوسع المدروس في محطات الشحن يمثل فرصة اقتصادية واستثمارية واعدة، تتجاوز كونها مجرد بنية تحتية خدمية، فهي تساهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وخلق فرص عمل في مجالات التشغيل والصيانة، إلى جانب دورها في تقليل فاتورة استيراد المحروقات على المدى الطويل، والمساهمة في خفض الانبعاثات الكربونية بما يتماشى مع التزامات الأردن المناخية.
وأكد أنه في ظل التحولات العالمية والإقليمية في قطاعي النقل والطاقة، نحتاج إلى تطوير خارطة طريق وطنية متكاملة لمحطات الشحن، تستند إلى بيانات دقيقة، وتحليلات فنية، وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب توفير تمويل ميسر للمناطق الأقل جدوى.
وشدد على أن التوسع الذكي في البنية التحتية للشحن لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لضمان تحول كهربائي ناجح ومستدام اقتصاديًا.