بلاسمة: خطى ثابتة نحو المنعة الاقتصادية في الطاقة والثروات الطبيعية
عايش: الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي مفاهيم نسبية يصعب تحقيقها بالكامل
الأنباط – عمر الخطيب
بدأ الأردن منذ سنوات في بناء استراتيجية متكاملة ترتكز على تحقيق الأمن الطاقي عن طريق استغلال الثروات الطبيعية وتعزيز الاستدامة الاقتصادية والبيئية، وكانت الطاقة والثروات المعدنية والطبيعية من الركائز الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في الأردن لا سيما في ظل التحديات الإقليمية والعالمية المتزايدة.
ومع إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي، تم التركيز على تحقيق منعة قطاع الطاقة من خلال التنوع في مصادر الطاقة وتعزيز القدرات المحلية في مجالات الطاقة المتجددة والتعدين، وهدفت الرؤية إلى تعزيز استدامة الاقتصاد الوطني من خلال استخدام هذه الموارد بشكل يضمن تحقيق النمو المستدام وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، فهل نحن قادرون على الوصول الى تحقيق توازن حقيقي بين تعزيز أمن الطاقة وتنمية القطاعات الاقتصادية في ظل التحديات المتتالية؟
مسار الأردن نحو طاقة نظيفة وتنمية معدنية
ويرى خبير الطاقة فراس بلاسمة إن رؤية التحديث الاقتصادي تعكس تطلعًا نحو تحقيق استقلالية أكبر بقطاع الطاقة والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، وزيادة مساهمة الموارد المحلية في الناتج المحلي الإجمالي.
وبين بلاسمة أنه تم التركيز في الرؤية على تنويع مصادر الطاقة من خلال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة لتحقيق 50% في إنتاج الكهرباء بحلول 2030، كما تم العمل على تطوير الثروات المعدنية من خلال تعزيز استخراج الفوسفات والبوتاس وزيادة القيمة المضافة عبر الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى تقليل انبعاثات الكربون وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة، مشيرًا إلى أنه تم تعزيز الاستثمار من خلال تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في مجالي الطاقة والتعدين، مؤكدًا أنه "حتى الآن، لم يتم تحقيق الأهداف بالكامل في مجالات الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية".
وأضاف بلاسمة أن الاردن يمضي بـخطى ثابتة نحو تحقيق المنعة الاقتصادية في مجال الطاقة والثروات الطبيعية، مستفيدًا من موقعه الاستراتيجي وإمكاناته البشرية والطبيعية، لافتًا إلى أن نجاح الرؤية يعتمد على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتسريع وتيرة الابتكار والاستدامة.
وقال إن "الأولوية الكبرى الآن تكمن في تسريع التحول إلى الاقتصاد الأخضر وتعظيم القيمة المضافة للموارد المحلية لتحقيق الازدهار الاقتصادي للأجيال القادمة".
أولويات الرؤية
وأشار بلاسمة إلى أنه في إطار سعي الأردن لتحقيق أمن طاقي مستدام وتعزيز اقتصاده الوطني لا بد من تحديد أولوياته الاستراتيجية بوضوح وأهمها تسريع التحول إلى الاقتصاد الأخضر عبر الاستثمار في الطاقة النظيفة والتشريعات الداعمة، وتعظيم القيمة المضافة للموارد الطبيعية من خلال تطوير الصناعات التحويلية واستكمال المسوحات الجيولوجية، بالإضافة إلى تعزيز البنية التحتية للطاقة من خلال رفع كفاءة التخزين والربط الإقليمي، وإدارة المياه كـ مورد استراتيجي عبر مشاريع التحلية وإعادة التدوير.
ثمار الرؤية في الطاقة والمعادن
وأكد أن الرؤية انعكست في إنجازات ملموسة شملت إنشاء وتشغيل مشاريع رائدة للطاقة الشمسية والرياح، أبرزها (مجمع شمس معان) و(مزرعة الطفيلة)، ما أسهم في رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى أكثر من 20% في مزيج الطاقة الوطني حتى عام 2024، كما شهد قطاع الثروات المعدنية توسعًا ملحوظًا مع نمو صادرات الفوسفات والبوتاس، مشيرًا إلى إطلاق مشاريع استكشاف جديدة للنحاس والذهب وفق معايير توازن بين التنمية وحماية البيئة، وإطلاق برامج وطنية لتحسين استهلاك الطاقة ومشاريع متقدمة لـ تخزين الطاقة ودعم استقرار الشبكات الكهربائية.
الشمس تخبئ مستقبل الأردن الاقتصادي
وفي ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، بين الخبير حسام عايش أن مفهوم الأمن الطاقي لا يقتصر على مشاريع الطاقة المتجددة كالشمس والرياح وإنما يمتد ليشمل ضمان استمرارية الإمداد من مصادر آمنة وموثوقة واستقرار سلاسل التوريد المرتبطة بها، بالإضافة إلى الكلف الاقتصادية المترتبة على استيراد الطاقة، وضرورة تأمين الاحتياجات في الظروف الاستثنائية مثل الأزمات والحروب.
وأشار عايش إلى أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يشكل ركيزة أساسية لتعزيز أمن الطاقة، لأنه يتيح استدامة المصادر وتخفيض للكلف، خاصة في قطاع الكهرباء، مبينًا أن فوائد الاستثمار تتعدى حدود التوليد المحلي إذ يمكن استخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر التي يتم تحويله إلى مصدر دخل وثروة اقتصادية.
وما يزيد أهمية هذا التوجه ارتفاع الطلب على الكهرباء في الأردن بنسبة تقارب 5% سنويًا، ما يستدعي مشاريع جديدة تدمج بفعالية في الشبكة الوطنية، بحسب عايش.
وبين أن الأردن يمتلك إمكانات تصديرية واعدة من خلال الربط الكهربائي مع دول الجوار كـالعراق ومصر والسعودية، وسعيه للتوسع نحو سوريا وتركيا ولبنان وذلك يعزز مكانته كـ مركز إقليمي للطاقة.
الطاقة والنمو الاقتصادي وفرص التشغيل المستقبلية
وبخصوص الثروات الاستراتيجية في الاردن، أوضح عايش أن الفوسفات والبوتاس يعدان من أبرز الصادرات التي ترفد الخزينة وتوفر دخلًا مهمًا للشركاء الاستراتيجيين، ويُستخدم هذان الموردان بشكل رئيسي في صناعة الأسمدة في ظل تزايد الطلب العالمي، خصوصًا قطاع الزراعة، مؤكدًا أن الأردن يتمتع بعلاقات تجارية قوية مع دول كالهند والصين وإندونيسيا وذلك يعزز من مكانته في القطاع، كما أن الاستثمار في الفوسفات والبوتاس مستمر إلا أنه لا يزال يتركز على تصدير المواد الخام ما يستدعي التوسع في الصناعات التحويلية لـخلق قيمة مضافة وتقليل التأثر بـ التقلبات العالمية، وتعزيز سلاسل الإمداد في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة.
وأشار إلى أن مشاريع الطاقة واستثمار الثروات المعدنية في الأردن من الركائز الأساسية للنمو الاقتصادي، إذ تلبي متطلبات التوسع العمراني والتقني والمعرفي المتزايد، وأن الطلب على الكهرباء يعكس هذا النمو، ولم يعد مقتصرًا على فئات محددة، وإنما أصبح حاجة شاملة تشمل جميع شرائح المجتمع، نتيجة الاعتماد الواسع على التطبيقات الرقمية والتقنية، مضيفًا أن الطاقة اليوم تعد مؤشرًا على التطور الاقتصادي وعاملًا دافعًا له خصوصًا في القطاعات الصناعية والخدمية التي تعتمد عليها بشكل كبير كـ عنصر إنتاج أساسي، ومع تنوّع القطاعات الاقتصادية وزيادة الطلب محليًا وخارجيًا، تبرز الطاقة كـ مغذٍ رئيسي للنمو وفرص التشغيل، ما يعزز من ديناميكية الاقتصاد الوطني ويسهم في خلق فرص عمل جديدة.
الطاقة والثروات المعدنية لـتعزيز الاقتصاد
وأضاف أن الاستثمارات في النحاس والليثيوم تسهم في تعزيز القدرات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الخارج، خاصة إذا استخدمت في الصناعات المحلية، لكن تحقيق استقلال اقتصادي كامل يظل أمرًا نسبيًا، إذ يعتمد الاقتصاد العالمي على التبادل والثقة والعلاقات المستقرة، كما أن تصدير هذه الموارد يتطلب شراكات دولية ما يجعل الحديث عن استقلال اقتصادي مطلق غير واقعي، مبينًا أن التجربة الأميركية رغم توجهاتها أظهرت أن حتى الاقتصادات الكبرى لا يمكنها الانفصال عن العالم، فإن استثمار الموارد الوطنية يعزز من مرونة الاقتصاد وقدرته على التكيف وتحقيق عوائد أفضل عبر الاندماج الفاعل في التجارة الدولية.
وتابع عايش أن الأردن من أنجح الدول في استقطاب الاستثمارات بمجال الطاقة المتجددة، إذ تجاوزت الاستطاعة التوليدية 2000 ميغاواط، ما جعله يتجه نحو تصدير الكهرباء، ورغم وجود فائض في الإنتاج تتحمل الحكومة كلفته، إلا أن المرحلة الحالية تتطلب التحول نحو الاستثمار في تخزين الطاقة ودمجها بكفاءة في النظام الكهربائي، مشيرًا إلى أنه بفضل خبراته والمتغيرات الإقليمية يمتلك الأردن فرصًا واعدة لـ يكون مركزًا لـ جذب استثمارات نوعية في مشاريع مستقبلية مثل الهيدروجين الأخضر وتحلية المياه، ما يستدعي إعادة تنظيم هذا القطاع وتوجيه الاستثمارات نحو أنشطة تكاملية
وذكر عايش أن مصطلحات مثل (الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي) تستخدم غالبًا للتعبير عن التقدّم في تحقيق أمن الطاقة، لكنها تظل مفاهيم نسبية يصعب تحققها بشكل كامل خاصة في ظل النمو المتسارع للطلب على الطاقة والاستثمارات المستقبلية المتوقعة، فحتى لو تمكّن الأردن من تحقيق اكتفاء جزئي حتى عام 2033، إلا أن التوسع العمراني والاقتصادي سيستدعي مزيدًا من الطاقة والحلول التقنية.
وأشار إلى أن الاستثمار المستمر في الطاقة المتجددة والتوسع في التقنيات وتحسين كفاءة الاستهلاك يعد من المسارات الأساسية لتعزيز الاعتماد على الذات، ومع تنامي قدرات الأردن في هذا المجال يمكنه تقليص الاعتماد على الخارج وتلبية الطلب المحلي وربما التصدير إقليميًا، شريطة الاستثمار في التخزين ومعرفة التوقعات المستقبلية والاستعداد لها بشكل استباقي.