شبكة الصواريخ .. فرصة لإعادة الاعتبار والمراجعات الوطنية

نبض البلد -

حتى لا يخطف المشهد المتحولون السياسيون وأنصار المحاصصة الوطنية

الجميع حريص على الدولة والثلاثاء بات أبيضًا من غير سوء

ليبراليون متطرفون, ويسار ضائع, ووطنيون إقليميون,وإسلاميون متشددون

الأنباط – عمر كلاب

استحضر في البداية, حوار مع وزير الداخلية الأسبق ومدير المخابرات العامة الأسبق, نذير رشيد, لتأسيس ما سأنطلق منه, لقراءة اللحظة, ولماذا بات الثلاثاء الماضي, 15 نيسان أبيضًا من غير سوء, والحوار نشر في العدد الأول, من صحيفة الهلال الموؤودة, وسألته لماذا تعيش الدولة, في ظلال أيلول الاسود, ولماذا تحول أيلول إلى ثقافة وليس حدثًا؟ بوصفه كان مديرًا للمخابرات في تلك الحقبة, غضب الرجل, وقال: أولًا, أيلول ليس أسودًا, بل أيلول الأبيض, الذي استردينا فيه الدولة, التي كانت تواجه صراعًا, بين السلطة والخارجين على السلطة, فهو لم يكن حربًا أهلية, كما يحاول البعض وصفه, أو حرب مع حركات مقاومة, بل مع شعار حملته تلك الحركات, يقول " لا سلطة إلا سلطة المقاومة" .

والثلاثاء الفائت 15 نيسان, هو ثلاثاء أبيض, حيث عبر فيه الأردنيون كلهم, عن حرصهم على الدولة وثوابتها, حتى أولئك الذين حاولوا التملص من شبكة الصواريخ, عادوا إلى مواقفهم الأولى وذكرياتهم الإيجابية مع الدولة, فالأردنيون في لحظة العاصفة, أو في لحظات استشعار القلق والخطر, لا يجدون إلا عباءة الدولة ليتدثروا بها, من صقيع وجحيم الإقليم, فحضر الأردن ببهاء في ذلك المساء, وأظن جازمًا, أن هذا الشعور الذي يجب أن يُبنى عليه, شعور الأردنيون بالحرص على دولتهم, وتماسكهم أو انصهارهم الاجتماعي للدقة, فأبرز ما يميز المجتمع أنه منصهر اجتماعيًا, رغم الفوارق في المواقف السياسية, فوليمة فرح نجل الحبيب الدكتور نذير عبيدات تجمع الأردنيين في حرثا, وهو الشخص الدمث المحبوب في المجتمع, وبالمقابل تجمع خيمة عزاء والدة الدكتور باسم عوض الله كل الأردنيين, وهو المبغوض اجتماعيًا, فأي انصهار ومصاهرة تجمع الأردنيين.

هذا الوعي الاجتماعي, يحاول كثير من المتحولين السياسيين تكييشه, فثمة حوار عاصف ومحاولات استثمار الحدث, إما لإقصاء لون سياسي وتوزيع مغانمه, وإما لحرف الحدث عن مقاصده بتخفيف حدته وتحويله عن مقاصده, فالحدث يستهدف عصبًا حساسًا, من أعصاب الدولة, ويضغط عليه بقوة, وجميعنا يدرك حساسية الدولة من السلاح خارج إطارها, فذاكرتها مع السلاح الفالت, سلبية جدًا, وهي المحاطة بكل تلاوين السلاح المنفلت, والبنية الانقلابية لأنظمة الجوار اللصيق, التي تستثمر في خاصرة رخوة من خواصر الدولة, والمفارقة لعبة تبادل الكراسي الموسيقية, فمن كان مع فصائل حمل السلاح ومحاولات تقويض السلطة, بل وإسقاط النظام, هو من يحاول اليوم تكييش اللحظة, أمام من تصدى له في حقبة سابقة, ومن تصدى سابقًا يحاول اليوم أن يبرر ويشرعن السلاح خارج الدولة, بحجج المقاومة ودعمها, ولا يمكن إسقاط الثارات السياسية أو التنظيمية عن المواقف السائدة اليوم, سواء ممن كانوا في رحم الحركة وانقلبوا عليها أو غادروها لخلافات منهجية, أو ممن يسعى لتأبيد موقعه, ممن تحول, بعد أن كان في الجانب الآخر.

اليوم ثمة فرصة ليكون الجميع رابحًا, بلا استثناء, سواء تيارات الإسلام السياسي, أو تيارات الأحزاب الوطنية, وتيارات اليسار والقوميين, سواء من أدان الشبكة بكل قوة وصلابة, أو من أدانها بخجل, أو من حاول أن يعلي سلطة الدولة وقوتها دون إدانة للشبكة, وكل ذلك يعني شيئًا واحدًا, حرص الجميع على الدولة وقوتها, ولن أدخل في خانة تحليل النوايا, الذي سبق وأن أدنته, فالنوايا شأن سماوي وليس أرضي أو دنيوي, والدولة وأجهزتها لديهم من الحرفية والكفاءة, لضبط كل سلاح خارج الدولة, ولمنع توطين السلاح أو تشكيل كيانات موازية.

نبدأ من المطلوب من جماعات الإسلام السياسي, بدايةً التخلي عن فهم أن الأردن ساحة, وأن انتماء الفرد المسلم إلى أخيه المسلم, في دولة الإسلام, كما يقول سيد قطب في تنظيراته وتعريفاته, وهي تنظيرات تعتمدها الجماعة في وثائقها الحزبية, وأطرها التنظيمية, والكف عن تعاملها بندية مع الدولة, حتى خلال تذكيرها بمواقفها الإيجابية, فلا أحد حمى الدولة منفردًا, ولا أحد يمنّ على الدولة, فنحن نعرف السياقات التاريخية التي فرضت على تيار الإسلام السياسي الوقوف في صف السلطة والدولة, أمام مخاطر أكبر تواجهها سواء في مصر, أو مع منظمة التحرير وحركة فتح, التي شكلها في البداية أبناء الجماعة الإخوانية, ثم انقلبوا على الجماعة وانفصلوا عنها, أي أنهم لم يلقوا السلاح في أيلول انحيازًا للدولة, بل رفضًا لانفصال تيار حركة فتح عن الجماعة, والتزامهم بالبرنامج الوطني والجغرافيا الوطنية الفلسطينية.

وبالتالي عليهم مراجعة مواقفهم, وبرامجهم التنظيمية, التي تغذي الأعضاء, بأن الأردن ساحة, وأن الانتماء عابر للجغرافيا, بل وأن الجغرافيا ساقطة في الحساب الفقهي, ونبذ كل عمل أو قول أو سلوك, يستهدف الدولة وقوتها ومنعتها, بالفعل والقول معًا, ومكاشفة الجميع بما جرى وكيف جرى ولماذا جرى, والانضباط بالعمل الوطني, الذي يقضي بأن أي تنظيم أو جماعة, يجب أن تخضع لسلطة القانون, وليس لحوار الشارع وحراكه, فالشارع لا يعطي شرعية, إلا بالأدوات القانونية والدستورية, من خلال صناديق الاقتراع, التي يتم خوض غمارها بترخيص وفق القانون, بلا استقواء أو استغناء عن الدولة وقوانينها, ولا تكون العودة إلى القانون في إطار المصلحة والبكائية الغرائزية فقط, فمن يخرق القانون يخرج من مظلة حمايته.

أما القوى اليسارية والقومية, على محدودية تأثيرها, فإن المطلوب منها إعادة الاعتبار لتعريف الدولة وفقهها, فالأردن ليس كيانًا وظيفيًا, صنعه الاستعمار لهدم وتدمير القضية الفلسطينية, واستيعاب اللاجئين, بل هو وطن نجح في الصمود والحياة في إقليم عاصف وغير محب, لكن ثلاثية الدولة ومثلثها الذهبي, هم سر النجاح والتقدم, العرش والجيش والانصهار الاجتماعي, بين مكوناته, فمعنى أن يبقى الأردن بهذا التعريف, هو تغذية شباب وأجيال على عدم احترام الوطن ومؤسساته, ونبذ وخصومة أركانه, وما نراه من هتاف وصدام, يؤكد أن ثمة تغذية مريبة, قوامها أن الأردن ساحة وكيان, في توافق غريب بين فقهين متناقضين, يساري وإسلامي وقومي.

أما الأحزاب الوطنية أو الوسطية, فعليها أن تعرف وتفهم, أنها ليست الحريصة على الدولة وحدها, وليست ماسكة وممسكة لختم الوطنية وفقهها, وأن تسعى لإثبات حضورها عبر برامجها وقوتها التنظيمية, وليس بالاستكانة إلى الدعم الخفي والمعلن من دوائر صنع القرار, أو القرب من هذا المركز أو ذاك, فهذا لن يمنحها اوكسير الحياة والتأثير, بل سيمنح بعض سدنتها مواقع ومكاسب, سرعان ما تتكسر على مذبح أول انتخابات أو مواجهة سياسية, ورأينا كيف أنها فشلت في أول مواجهة سياسية, وكيف عجزت عن مواجهة تيارات سياسية, إلى الحد الذي منح الكيانات الاجتماعية حضورها السياسي على حسابها, فما زلنا نرى بيانات التأييد أو حشودات الجماهير, تحت اللافتة الاجتماعية, بما يفوق أضعاف حضور تلك الأحزاب, وسأمنا تبريها الساذج, بأنها حديثة النشأة والخبرة, رغم أن سدنتها لاعبون سياسيون منذ زمن طويل.

هل أخرت ما يستوجب التقديم, نعم, وأعنى السلطة وأركانها, التي عجزت عن فهم شيفرة الحُكم والعرش, القائمة على السماحة والقوة, والتي أعاد الملك التذكير بها في مواجهات متعددة, ليس أولها توضيح مفهوم القوة الأخلاقية ولا آخرها تعريفه للنظام ومعناه, في لقاء شعبي واسع إبان الخريف العربي, فسماحة النظام والعرش, كانت تتجلى بقدرته على السطوة والسيطرة, وليس التراخي في إنفاذ واعمال القانون, فالدولة أو النظام كان يصفح, ويتفاعل مع العقول الوطنية على اختلاف مشاربها, بعكس ما ساد مؤخرًا من تراخي واسترضاء وشراء, للمخالفين ولا أقول المعارضين, ورأينا فراغًا وطنيًا مذهلًا, ونجحت تيارات متناقضة في بسط هيمنتها على المجتمع, تيار تغريبي قادته منظمات المجتمع المدني الممولة خارجيًا, وتيارات التشدد الديني أمام انفلات عقل هذه المنظمات, التي كانت تقوم مقام أجهزة السلطة ووزاراتها, فنما التطرف الفكرى, المدني والديني والقومي والليبرالي, حتى بات المجتمع متطرفًا بالعموم, حتى في مدنيته.

لا نملك رفاه الوقت, بل نحتاج إلى الحسم والحزم الإيجابيين, وهذا يبدأ من المكاشفة الوطنية الكاملة, بالاعتراف بالأخطاء, ومعالجتها من الجميع, سلطة وكيانات سياسية, وترسيخ النموذج القادم, على أرضية الإصلاح الشامل للجميع, بإعلاء قيم العدالة والمواطنة وتكافؤ الفرص, ووقف الزبائنية في المواقع والمناصب, واللعب بالعصبيات الجاهلية, والتحشيد والفزعات, وقبول الآخر, فلا أحد يمتلك الحقيقة, وإعادة الرشاد والسماحة, المحروستان بقوة القانون وإنفاذه على الجميع, دون محاباة أو تسويات